طالب عبد العزيز
تسوِّق بعضُ التنظيمات والفصائل المسلحة قضية الرفض بتسليم أسلحتها الى الدولة على أنَّ ذلك قد يعرض أمن البلاد الى الخطر؛ بوجود تهديد داعش، والدولة الإسلامية على الحدود مع سوريا، وأنَّ إسرائيل مازالت العدو الذي سيحارب ايران والعراق معاً، وكذلك سيكون أمرُ القواعد الامريكية في بعض المدن، وكما لو أنَّ البلاد ليست محمية أمريكية بالمعنى الخفيِّ لبنود الاتفاقيات الامنية بين البلدين، والتي يعرفها الجميع.
لا ينظر الشعب العراقي الى قضية تسليم الأسلحة هذه بوصفها قضية تخصُّ أمنه ومستقبل أبنائه ونهوض البلاد؛ فالفصائل تلك لم تكن يوماً معنية بحياة الناس وأمنهم ومستقبل أبنائهم وتطور البلاد قدر عنايتها بديمومة مصالحها، والهيمنة على المشاريع، وتقاسم السلطات بما يؤمن لها سنوات أخر في البقاء على ذات الرهبة والنفوذ، الذي منه التوسعة في الشركات المتفرعة منها، والبنوك التي تعمل تحت مسمياتها في السرمرةً وفي العلن مرةً أخرى، وكل ذلك يستدعي وجودها المسلح المرعب، لأنها تعلم علم اليقين بأنَّ بقاء ولاء أتباعها إنما يكمن في وجودها مسلحةً ومحصنة بالوعد بالمال وفرص العمل لجيش العاطلين.
يوما اثر آخر تتراجع أهمية اختيار رئيس الوزراء في أحاديث الشعب، حتى باتت مشاهدة لعبة كرة القدم بين برسشلونة وريال مدريد أهم بكثير منها، لا لأنَّ الناس لا تفكر بحياتها ومستقبلها أبداً، إنما لأنهم ما عادوا يأملون خيراً بأحد، وهم على يقين تام بأنَّ ما يتصارعون عليه هو أنّما يخصُّ المجموعة التي تتكرر أسماؤها كل أربع سنوات، وسواء أفاز زيدٌ أم خسر عمرٌ فالقضية واحدة لديهم، لذا، فمتعة مشاهدة لعبة الكرة أكثر جدوى من تتبع أخبار شخوص بنهايات معروفة، تسير على وفق خطط واتفاقيات تشترك فيها المجاميع تلك، بعيداً عن طموحات وحاجات الناس.
لكنَّ الناس(تشرينيون وغيرهم) ينظرون الى قضية تسليم الأسلحة بعين دمائهم وحياتهم، وامكانية زوال الخطر عن رقاب أبنائهم، ومستقبل بلادهم، فهم على يقين تامٍّ بأنَّ الأسلحة تلك انّما تشكلُ الخطر الأول والأخير عليهم، فلا داعش ولا دولة إسلامية يلوحان في الأفق، ووجود أكثر من مليون جندي وشرطي ورجل أمن رسمي عراقي كفيل بدحر أكثر من جيش وجماعة إسلامية؛ فضلاً عن وجود القوات الامريكية، الراعي الرسمي لأمن البلاد، لكنَّ حقيقة واحدة تقف خلف ذلك كله؛ مفادها بأنَّ القوى المدنية ستعيد تنظيم صفوفها، وتتسلم الحكم، وهي الاصلح لقيادة البلاد، وذلك كله يكمن ويتحقق بنزع اسلحتها وفقدانها سيطرتها على المشاريع والبنوك فهي وجدت هنا وسيطرت لا بفعل ما قدمته إنما بفعل ما استولت وسيطرت عليه.
ليس الجندي أو الشرطي أو رجل الامن الرسمي والمعلوم ما يخشاه العراقي، أبداً؛ فهؤلاء يعملون في النهار، وتحت مسمّى واضح، ويأتمرون بأمر قاض مخوّل باسم الشعب، لكنَّ العراقي مرعوب وواقع تحت سطوة من لا يخضع للقانون، ولا يأتمر بقاض، ويدهم مقتحماً داره متى وكيف يشاء وبالعذر الذي يرتأيه، فكلمة منه؛ أو سلوك غير مقصود، أو وشاية صغيرة قد تلقي به في قعر مظلمة أبدية، تودي بحياته الى الابد، ولا أفصح من أقوال بعض الزعامات، الذين أشاروا وهددوا كبار موظفي الدولة، وعلى أكثر من منبر بأنهم يفعلون ما يريدون، ويهددون القضاء، وما أمرُ أكثر من 800 شهيدٍ تشرينيٍّ عنا ببعيد؛ هؤلاء الذين لا يجرؤ أحدٌ بما فيه القضاء العراقي أوالادعاء العام على المطالبة بدمائهم.









