المدى/ يمان الحسناوي
في ظل التحديات الاقتصادية المتصاعدة وتفاوت الدخول بين شرائح المجتمع، عاد ملف خط الفقر في العراق إلى الواجهة بعد إعلان وزارة التخطيط أن الأسرة التي يقل دخلها الشهري عن 700 ألف دينار تُعد ضمن فئة الفقراء. هذا التصنيف أثار جدلاً واسعاً بين المختصين، الذين اعتبروا أن هذا المبلغ لا يعكس الواقع الفعلي لتكاليف المعيشة في البلاد، مطالبين بإعادة النظر في سلم الرواتب والسياسات الاجتماعية لضمان الحد الأدنى من العيش الكريم للمواطن العراقي.
المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أوضح أن خط الفقر الرسمي المعتمد للفرد في العراق هو 137 ألف دينار شهريًا، فيما يُعد دخل الأسرة المكونة من خمسة أفراد أقل من 700 ألف دينار شهريًا مؤشراً على وقوعها تحت خط الفقر، مشيراً إلى أن هذا التقييم يعتمد على كلفة الحاجات الأساسية مثل الغذاء، الصحة، التعليم، والمرافق الحيوية الأخرى.
وأشار الهنداوي إلى أن العراق نجح، من خلال استراتيجية مكافحة الفقر، في خفض نسبة الفقر من 23% في عام 2022 إلى 17.5% في عام 2025، وذلك عبر إجراءات شملت تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية، دعم الأمن الغذائي من خلال تأمين السلة التموينية، وتمكين الفئات الهشة عبر برامج اقتصادية وخدمية في المناطق الأشد فقراً.
وبهذا الصدد، أكد مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، أن دخل الموظف المعيل الذي يقل عن 700 ألف دينار شهريًا لا يلبي متطلبات العيش الكريم لأسرة مكونة من أربعة إلى خمسة أفراد في حال غياب أي مصدر دخل إضافي.
وأوضح صالح، في حديث لـ "المدى"، أن معالجة هذا الخلل لا يجب أن تكون من خلال زيادات نقدية مباشرة فقط، بل يمكن تحقيق توازن عبر تعزيز ما يُعرف بالدخل الحقيقي، من خلال تقديم سلة غذائية مدعومة من الحكومة، وتوفير سلع أساسية، إضافة إلى منافع اجتماعية مكملة موجهة للفئات ذات الدخول المحدودة.
وأضاف أن شريحة واسعة من العاملين في الدرجات الوظيفية الدنيا قد تكون فعلياً تحت متوسط دخل الفرد المحسوب ضمن الناتج المحلي الإجمالي.
وأشار إلى أن هذا النوع من الدعم يساهم في رفع مستوى معيشة الأسر الفقيرة دون تحميل الموازنة العامة أعباء إضافية، ويساعد على تحقيق نوع من العدالة الاقتصادية والاجتماعية، عبر تقريب الفجوة بين الدخل النقدي والدخل الحقيقي.
وشدد صالح على أن هذا التوجه يعزز الاستقرار الاجتماعي ويحد من اتساع الفوارق الاقتصادية، داعياً إلى اعتماد هذا النموذج كأداة فعالة لحماية الشرائح الهشة في المجتمع، وضمان عدم تراجع دخولها السنوية عن المستوى المقبول لمتوسط دخل الفرد في البلاد.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذرت سابقاً من تأثيرات ارتفاع نسب الفقر في العراق على الأطفال، داعية إلى العمل على بناء بيئة شاملة لحمايتهم، خاصة أن الأطفال يشكلون الغالبية من بين حوالي 4.5 ملايين عراقي معرضين لخطر الفقر بسبب النزاعات التي أثرت على البلاد.
وقد سبق للعراق أن اعتمد استراتيجيتين سابقتين للتخفيف من الفقر، الأولى للفترة ما بين 2010-2014، والثانية للفترة 2018-2022، وقد تحقق جزء مما رسمته الاستراتيجيتان في هذا السياق، بحسب ما أكدته وزارة التخطيط.
وحينها، أكد المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، أن الاستراتيجية التي جرى اعتمادها بعد نقاشات مستفيضة ومكثفة، تهدف إلى خفض نسبة الفقر إلى أقل من 10% بحلول عام 2029.
وفي وقت سابق، أعلنت وزارة التخطيط عن إطلاق "الاستراتيجية الوطنية الثالثة لمكافحة الفقر"، التي تستهدف خفض نسبة الفقر في البلاد إلى أقل من 10% بحلول عام 2029.
وتهدف الاستراتيجية الجديدة إلى تحقيق خفض إضافي بنسبة 50% خلال السنوات الخمس المقبلة، لتصل إلى ما بين 8-9%.
وتشمل الاستراتيجية سبعة محاور رئيسية وأكثر من 38 نشاطاً تنفيذياً، تغطي جوانب متعددة مثل تعزيز الحماية الاجتماعية، دعم التعليم والصحة، تحسين فرص العمل، وتطوير البنية التحتية في المناطق الأكثر فقراً.
كما تركز على تمكين الفئات الهشة، ورعاية كبار السن وذوي الإعاقة، ودعم المرأة والطفل، والتصدي لتحديات التغيرات المناخية والطوارئ.
إلى ذلك، أكد المختص بالشأن الاقتصادي والمالي علي دعدوش، أن مبلغ 700 ألف دينار الذي حددته وزارة التخطيط كحد أدنى لخط الفقر بالنسبة للموظفين، لا يعكس واقع تكاليف المعيشة في العراق، داعياً إلى إعادة النظر فيه ووضع خطة شاملة لإصلاح سلم الرواتب.
وقال دعدوش خلال حديثه لـ "المدى"، إن تقديرات وزارة التخطيط تشير إلى أن الموظف الذي يتقاضى 700 ألف دينار يُعد ضمن فئة الفقراء، نظراً لعدم كفاية هذا المبلغ لتغطية نفقات الحياة الأساسية، ومنها الإيجار، وفواتير الكهرباء الوطنية والأهلية، والماء، إضافة إلى نفقات الغذاء والملبس والمواصلات، خاصة في حال وجود أطفال في مراحل دراسية مختلفة.
وبين أن الدراسات والبحوث العلمية تقدر الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة بمبلغ لا يقل عن مليون و750 ألف دينار، ما يجعل المبلغ المعتمد حالياً من قبل الوزارة بعيداً عن الواقع، خصوصاً في ظل الزيادات المستمرة في أسعار الإيجارات والسلع والخدمات.
ودعا دعدوش الحكومة إلى مراجعة هذا التقدير الرسمي والعمل على إعداد خطة اقتصادية متكاملة لإعادة هيكلة الرواتب وتعديل سلمها بما يضمن العدالة الاقتصادية والاجتماعية، ويرفع القدرة الشرائية لشريحة الموظفين ويخفف من أعباء المعيشة المتزايدة.
جدل حول خط الفقر.. 700 ألف دينار لا تكفي لعيش الكريم وسط دعوات لإصلاح الرواتب

نشر في: 28 ديسمبر, 2025: 12:31 ص









