TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > العبادي يعود إلى سباق رئاسة الحكومة مع تصاعد مخاوف "شد الحزام"

العبادي يعود إلى سباق رئاسة الحكومة مع تصاعد مخاوف "شد الحزام"

أسبوع البرلمان الحاسم: الرئاسات الثلاث بلا اتفاق

نشر في: 28 ديسمبر, 2025: 12:32 ص

بغداد/ تميم الحسن

تتضارب المواقف بشأن حسم اسم رئيس الوزراء القادم مع اقتراب الجلسة الافتتاحية للبرلمان؛ فالإطار التنسيقي لا يزال عاجزاً منذ نحو شهرين عن التوصل إلى اتفاق على مرشح نهائي.
مصادر مطلعة تشير إلى أن الاجتماعات داخل الإطار باتت تتكرر أسبوعاً بعد أسبوع دون أي تقدم ملموس، فيما بدأت تنعقد جلسات جانبية بعيداً عن أعين الإعلام، في مؤشر على اتساع الهوة بين القيادات.
وفي تحول مفاجئ، بدأت بعض الأطراف الشيعية طرح اسم مرشح ثالث إلى جانب اثنين يتنافسان بشدة على المنصب. ويُعرف الخيار الثالث بسياساته السابقة بـ"التقشف المالي"، خصوصاً مع احتمال تعرض البلاد إلى أزمة اقتصادية جديدة.
في البيت الشيعي
حتى لحظة كتابة هذا التقرير، يتمسك كل من محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة المنتهية ولايته، ونوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، بالترشح لرئاسة الحكومة المقبلة، في وقت يبدو فيه "البيت الشيعي" أقرب إلى الانقسام منه إلى التسوية. مصادر سياسية مطلعة تقول لـ(المدى) إن النقاشات داخل "الإطار التنسيقي" خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة باتت مكررة وتدور في الحلقة نفسها، من دون أي حسم لاسم رئيس الوزراء، ما يعكس حالة "الانسداد" التي تضرب التحالف منذ نحو شهرين.
وكان السوداني قد طرح مبادرة للخروج مما وصفه بـ"الانسداد السياسي" و"المراوحة" في ملف اختيار رئيس الحكومة، غير أن المبادرة لم تنجح، وفق ما تشير إليه المعطيات، في كسر الجمود أو إقناع الأطراف المتنافسة بالتراجع.
ومع تعمق الأزمة، اتجهت بعض أطراف "الإطار التنسيقي" إلى طرح اسم بديل ثالث، هو رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، لكن بشرط واضح: انسحاب كل من السوداني والمالكي من سباق الرئاسة.
وبحسب المصادر، فإن إعادة طرح اسم العبادي ارتبط بتقارير تتحدث عن أزمة اقتصادية وشيكة قد تواجه البلاد، في ظل تراجع الإيرادات وضغوط الإنفاق. ويُعرف العبادي بسياساته التقشفية خلال فترة حكمه بين عامي 2014 و2018، حين قاد الحكومة في واحدة من أصعب المراحل الاقتصادية والأمنية.
العبادي نفسه قال في تصريحات صحفية قبل أيام إنه "مستعد لتولي منصب رئيس الوزراء"، مذكراً بأن أسعار النفط خلال ولايته كانت أدنى بكثير من مستوياتها الحالية، ومع ذلك "نجحت الحكومة في تجاوز الأزمة"، في إشارة إلى تشابه الظروف واحتمال إعادة إنتاج سيناريو اقتصادي صعب.
ووفق المصادر، جاء طرح العبادي بعد اجتماعات جانبية عُقدت من دون ما يُعرف داخل الإطار بـ"أطراف الأزمة"، في إشارة إلى المالكي والسوداني. غير أن هذه الاجتماعات، بدلاً من أن تمهد لتسوية، بدت وكأنها تهدد بتوسيع الانقسام داخل "الإطار التنسيقي".
في هذا السياق، نُقل عن عمار الحكيم، القيادي البارز في المجموعة الشيعية، تأكيده خلال لقاءات أخيرة مع المالكي على ضرورة التركيز على "وحدة الإطار التنسيقي"، وهو الموقف نفسه الذي كرره في اجتماعات أخرى مع محسن المندلاوي، نائب رئيس البرلمان السابق وأحد قيادات التحالف الشيعي.
في المقابل، يتقاطع الجمود في ملف رئاسة الحكومة مع تضارب المعلومات بشأن منصب رئيس البرلمان، إذ تُسرب بعض الأطراف الشيعية أن المنصب حُسم لصالح السوداني مع وزارتين إضافيتين، بينما تقول أطراف أخرى إنه سيكون من حصة المالكي.
وترتبط تسمية رئيس الحكومة بأزمة دستورية موازية داخل "الإطار التنسيقي"، تتعلق باختيار النائب الأول لرئيس البرلمان، وهو منصب يُخصص عادة للمكون الشيعي. ولا يمكن تثبيت هذا المنصب قبل حسم رئاسة الحكومة، إذ لا تستطيع كتلة رئيس الوزراء الجمع بين الموقعين.
وفي هذا السياق، تُتداول داخل الأروقة السياسية أسماء عدة لشغل منصب النائب الأول، من بينها محسن المندلاوي، وشبل الزيدي، زعيم "كتائب الإمام علي"، الذي انضم أخيراً إلى دعوات "حصر السلاح".
في الأزمة السنية
على الضفة الأخرى من المشهد السياسي، لا تبدو الأزمة السنية أقل تعقيداً؛ فتعثر تسمية نائب رئيس البرلمان يهدد بتعطيل انتخاب رئيس المجلس نفسه، وهي خطوة يُفترض أن تُحسم في الجلسة الافتتاحية الأولى المقررة خلال الأسبوع الجاري، في 29 كانون الأول.
وكما هو الحال في البيت الشيعي، لا تزال القوى السنية تدور في حلقة ضيقة بين اسمين فقط: محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، ومثنى السامرائي، زعيم "تحالف عزم". غير أن الاجتماعات المتواصلة لم تنجح حتى الآن في حسم الخيار النهائي. وتتضارب المعلومات الصادرة عن هذه اللقاءات بين تأكيدات بقرب الاتفاق، وأخرى تشير إلى استمرار الخلافات. وتشير معطيات إلى أن الحلبوسي، الذي يواجه معارضة سنية شديدة، قد يتجه إلى طرح اسم محمد تميم، وزير التخطيط، بديلاً عنه، في محاولة لتجاوز الاعتراضات المتزايدة داخل المعسكر السني.
وفي هذا السياق، قال ثابت العباسي، وزير الدفاع وأحد قيادات ما يُعرف بـ"المجلس السياسي الوطني" الذي شكلته القوى السنية الشهر الماضي، إن اسم رئيس البرلمان سيُعلن اليوم الأحد، في إشارة إلى ضغوط متزايدة لاحتواء الأزمة قبل انعقاد الجلسة الافتتاحية.
وبحسب القواعد الدستورية، يتولى رئاسة الجلسة الأولى للبرلمان "أكبر الأعضاء سناً"، وهو في هذه الدورة النائب عن محافظة البصرة عامر الفايز، وفقاً لبيانات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
وبعد انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه في الجلسة نفسها، يمنح الدستور المجلس مهلة لا تتجاوز 30 يوماً لانتخاب رئيس الجمهورية، استناداً إلى المادة 72، وبأغلبية الثلثين (220 نائباً)، وفق تفسير المحكمة الاتحادية؛ وهي المرحلة التي يصفها مراقبون بأنها الأصعب، في ظل الانقسامات الحادة التي تضرب المشهد السياسي العراقي من أكثر من اتجاه.
رئيس الجمهورية
يأتي منصب رئيس الجمهورية بوصفه الحلقة الثانية في سلسلة الإجراءات الدستورية المفضية إلى انتخاب رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة. غير أن هذا الاستحقاق، المخصص عرفاً للمكون الكردي، لا يزال حتى الآن بلا أي مؤشرات على اتفاق داخل البيت الكردي.
ونفى عضو في وفد الحزب الديمقراطي، الذي زار بغداد منذ الأسبوع الماضي، أن يكون منصب رئيس الجمهورية قد حُسم أو جرى التوافق على اسم محدد.
وقال فارس عيسى، عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، في تصريحات للصحفيين في بغداد، إن المنصب "لم يُناقش حتى الآن" بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، موضحاً أن "الزيارة إلى بغداد جاءت للاستماع إلى وجهات نظر الأطراف السياسية المختلفة".
وأضاف عيسى أن منصب رئيس الجمهورية يُعد "استحقاقاً كردياً"، مشيراً إلى أنه "إذا كان الأمر يتعلق بالاستحقاق الانتخابي، فإن هذا الحق يعود إلى الحزب الديمقراطي داخل البيت الكردي"، في إشارة إلى نتائج الانتخابات الأخيرة.
وكان وفد الحزب الديمقراطي قد عقد، خلال الأسبوع الماضي، سلسلة لقاءات في بغداد شملت رئيس الحكومة المنتهية ولايته ورئيس الجمهورية الحالي، إضافة إلى اجتماعات مع قوى شيعية وسنية، في إطار مشاورات وُصفت بأنها استكشافية أكثر من كونها تفاوضية.
ويستحضر هذا المشهد أزمة اختيار رئيس الجمهورية في الدورات السابقة، حين فجر قرار المحكمة الاتحادية باشتراط تصويت ثلثي أعضاء البرلمان على المنصب أزمة سياسية وقانونية واسعة، وأدى إلى ظهور ما عُرف حينها بـ"الثلث المعطل"، الذي شل العملية السياسية لأشهر.
أزمة ثقة
يرى الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي محمد نعناع أن استنفاد الكتل السياسية كامل المدة الدستورية، والوصول إلى أيامها الأخيرة من دون حلول واضحة، يكشف عن أزمة مستحكمة في النظام السياسي، تتجاوز الخلافات الشكلية إلى ما وصفه بـ"فقدان الثقة" بين الأطراف.
ويقول نعناع لـ(المدى) إن الحديث الذي دار خلال الأسابيع الماضية عن "تجزئة الأزمة" أو "تجزئة الاستحقاقات الدستورية" — عبر الذهاب إلى انتخاب رئيس البرلمان من دون حسم رئاستي الحكومة والجمهورية — اصطدم بتجارب سابقة دفعت الكتل إلى التراجع؛ فالأطراف التي تُحسم مناصبها أولاً، بحسب قوله، "لا تلتزم لاحقاً بالتعهدات"، ما أفشل فكرة التجزئة وأعاد الأزمة إلى نقطة الصفر.
وبحسب نعناع، فإن هذا المشهد يضعف الرواية التي يروّج لها "الإطار التنسيقي" عن امتلاكه عدداً كبيراً من المقاعد وقدرته على التفاوض مع جميع الكتل، أو امتلاكه رؤية واضحة لتشكيل الحكومة ومعادلة السلطة. ويضيف أن ما يظهر على أرض الواقع هو تعرض الإطار لضغوط داخلية وخارجية كبيرة، تمنعه من الخروج بصيغة حكم متماسكة وواضحة المعالم.
ولا يستبعد نعناع أن يتم خرق التوقيتات الدستورية، وأن تتشكل الحكومة بعد أشهر، لكن بمعايير وصفها بأنها "تقليدية ومكررة"، قائمة على المحاصصة وتقاسم المناصب، وإرضاء التوازنات الإقليمية والدولية، على حساب القضايا الجوهرية لبناء الدولة. ويحذر الباحث من أن الملفات الأساسية، وفي مقدمتها معالجة الأزمة الاقتصادية، وتعظيم الإيرادات غير النفطية، وصياغة استراتيجية واضحة للتعامل مع الملفات الدولية، "لن تكون ضمن أولويات الحكومة المقبلة"، كما لم تكن في الحكومات السابقة.
ويخلص نعناع إلى أن المؤشرات الحالية لا توحي بولادة حكومة برامجية أو مهنية، بل بحكومة قريبة في شكلها وأدائها من سابقاتها، "من دون معايير واضحة، أو رؤية سياسية جديدة"، ما يعني — وفق تعبيره — أن الأمور ستبقى على ما هي عليه، مع إعادة إنتاج الأزمة نفسها بأدوات مختلفة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

مقالات ذات صلة

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

بغداد/ تميم الحسن يتّسع، على ما يبدو، الشرخ داخل الفصائل المسلحة بشأن ملف تسليم السلاح والجهة المخوّلة بإدارته، في انقسام لم يعد محصوراً بالإطار الأمني، بل بدأ يترك أثره المباشر على تفاهمات القوى الشيعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram