TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مبروك رباب وطارق

مبروك رباب وطارق

نشر في: 14 ديسمبر, 2012: 08:00 م

المكان يصنع فرقا. ابن الطبيعة المرحة لا يشبه ابن الطبيعة المتجهمة. وبالنسبة الي فإن ابنتي، رباب، نموذج على صحة هذه الفكرة. لا أتذكر أنها بكت. وكل شيء في شخصيتها يقبل النسبة، أو الانتساب، الى شجرة السعادة. ولا عجب فقد ولدت في جزيرة الشمس. قبرص العائمة على أجمل بحار الكرة الأرضية.
ولم يتغير شيء فيها حين انتقلت، وهي ابنة الثمانية عشر شهرا، الى بيئة لندن المختلفة كل الإختلاف. وقد أحبت هذه المدينة الى درجة لم تعد تتصور أنها يمكن أن تعيش في مكان آخر غيرها. هكذا قالت لي أيام دراستها الجامعية. ولكن لديها شيئا وحيدا تنفر منه في هذه المدينة، ولعلها تكرهه أيضا، وهو المطر. المطر غزير فوق العادة في لندن. ومعه يمكن أن لا تكون صورة "ظلام في الظهيرة" مجرد خيال.
ولكنها ربما عادت وتراجعت عن موقفها من المطر خلال زيارتها للعراق، صيف 2003. سألتها هناك، في ظهيرة تموزية متطرفة في الحر، عن رأيها في الشمس، فقالت: "شوية هواية"! ولعل هذه الإجابة المخففة تعكس طبيعتها المعتدلة، النافرة من التطرف في مطر أو شمس أو طعام أو فكر أو عاطفة.
في طفولتها كانت تستطيع تحويل واجباتنا معها الى متعة. كنت أحيانا أتولى مهمة اصطحابها من مدرستها الابتدائية الى البيت. وكانت تفاجئني بأسئلة أو أفكار طريفة. مرة سألتني: لماذا تدور الأغاني كلها حول الحب؟ والسؤال مازال صالحا، يا بنيتي، لأن كل الأجوبة لا تفي هذا السؤال حقه، ولأن حاجة العالم الى الحب لا تنتهي، كما أن النقص فيه يجعل العالم فقيرا وخطيرا.
وفي يوم آخر من أيامها في الابتدائية سألتني ما اذا كان بامكانها أن تشتري شيئا من محل يقع بين المدرسة والبيت. قلت لها أنت تأمرين ولا تسألين. قالت: "بابا غلط، إنك تفسدني بهذه الطريقة! لازم مرات تكلي لا!". قلت: أمرك! وضحكتُ فعبَّرَتْها لي.
كانت في الابتدائية أيضا عندما خرجت مني مرةً مزحة حسبتُها بريئة ولكنها بدت لها عنصرية. فحدجتني بنظرة لن أنساها. نظرة تعلمت منها عن العنصرية ما لم أتعلمه من اطلاعاتي على هول تلك الظاهرة في الكتب والسينما.
شكرا رباب. لقد تعلمت منك الكثير.
كفاية وزيد وأنا نعتبرك نعمة حياتنا. فقد كنت نسيم العائلة. وكنت ذوقها. كما كنت حكمتها. أحببنا حتى سلبياتك لأنها خفيفة بل ومؤنسة. وقدَّرنا فيك أشياء أخرى مثل صناعتك أنواعا خيالية من الكيك، وطريقتك في التعايش السلمي مع ماما، وتفانيك في حب صديقاتك. ثم، خصوصا، ميلك الى الدفاع عن الكائن الضعيف والمحتاج. وقد كنت تذهبين أحيانا في هذا السبيل، سبيل الحساسية الإنسانية، الى درجة الخطر.
والجميل أن هذه "الحساسية"، الجادة للغاية، لم تنقص من حبك للحياة، وتعلقك بـ "الوِنِسْ"، كما يسميه أخوك زيد، أي "الوِنْسَة" أو الفرح. وكل ما فيك يا رباب، من صبيحة ولادتك الى عرسك اليوم، يملؤنا بالفرح والفخر. كفاية وأنا نؤمن بأنك وزيد أحسن ما فعلناه، أنتما ثمرة عمرنا وجائزته الكبرى. واليوم انضاف الينا ابن آخر، عريسك طارق. ونحن سعداء وفخورون به وبأسرته الكريمة.
ألف مبروك طارق ورباب. ربي يجعل أيامكم، وأيام العراق جميعا، كلها "ونس"!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram