السليمانية / سوزان طاهر
في ناحية "طويلة" التابعة لقضاء بيارة في محافظة حلبجة بإقليم كردستان، وعلى ضفة مجرى مائي يمثل الحدود الجبلية الفاصلة بين العراق وإيران، يقع مقهى "العم درويش". هذا المقهى ليس مجرد مكان عابر، بل هو معلم فريد يجذب الزوار من كلا البلدين، ويقدم تجربة ثقافية وإنسانية تتجاوز الجغرافيا والسياسة. ولعل أبرز ما يميز مقهى العم درويش هو موقعه الجغرافي الفريد، حيث يمكن للزبون أن يجلس على كرسي في الجانب العراقي بينما يمد يده ليصافح شخصاً يجلس على الجانب الإيراني، أو يتناول الشاي معاً على نفس الطاولة التي يقسمها مجرى الماء الحدودي. يدير المقهى العم درويش وهو رجل كبير في السن، ذو ذقن بيضاء، مبتسم دائماً، ويعد الشاي ويقدمه بطريقة فريدة ويرحب بالزبائن بحفاوة.
زبائن من قوميات مختلفة
ويقول العم درويش في حديثه لـ "المدى" إنه "يعمل في هذا المقهى منذ أكثر من 10 سنوات، وهو من سكان القرى الجبلية الحدودية بين العراق وإيران، من جهة محافظة حلبجة". وأضاف أن "الزبائن في هذا المقهى هم من العراقيين والإيرانيين، كون المقهى يقع في المنطقة الفاصلة بين البلدين، ولا يفصل سوى مجرى نهر صغير، وأغلب سكان المنطقة يجيدون اللغتين الكردية والفارسية". وأشار إلى أن "زبائنه من العرب والكرد والإيرانيين بمختلف قومياتهم وطوائفهم، من الفرس والكرد والأذر وغيرهم، ولا يوجد أي فروق طبقية، ولا يتم الحديث بهذه التسميات داخل المقهى إطلاقاً". ومؤخراً أصبح المقهى وجهة سياحية شهيرة في المنطقة الحدودية، حيث يقصده الناس للهروب من صخب المدن والاستمتاع بالطبيعة الخلابة والهواء النقي.
التعايش السلمي
من جهة أخرى يرى الأديب والشاعر الكردي سالار عباس بأن هذا المقهى بات نقطة أساس، وركيزة من ركائز التعايش السلمي بين مختلف القوميات والطوائف والمكونات. ولفت خلال حديثه لـ "المدى" إلى أن "الناس لا يشربون الشاي فقط، أو المشروبات الساخنة، إنما يتبادلون الأحاديث الثقافية، حيث يزور المقهى العشرات من الكتاب والأدباء والمثقفين الذين يمثلون قوميات مختلفة". وشدد على أن "المقهى يعد رمزاً للتعايش السلمي والتفاعل الإنساني بين شعبين جارين، في منطقة شهدت تاريخاً طويلاً من النزاعات، بما في ذلك الحرب العراقية الإيرانية المأساوية". ويوفر المقهى جواً بسيطاً ودافئاً، حيث يُقدم الشاي العراقي "على الفحم" في أجواء ذات طبيعة خلابة ومناظر جبلية رائعة، ما يعطي جمالية أكبر للمكان، وأهمية للمقهى.
رأي السياح
إلى ذلك يؤكد عدد من الزبائن الذين يأتون إلى المقهى من مكان بعيد أن مقهى العم درويش بات وجهة سياحية، ومكاناً مهماً وحيوياً، وليس لشرب الشاي فقط. أحمد وهو سائح من بغداد يشير في حديثه لـ "المدى" إلى أنه "في كل مرة يأتي سائحاً إلى السليمانية، يزور مقهى العم درويش، رغم مسافته البعيدة التي تبعد عن مركز السليمانية بأكثر من ساعتين، لكن ذلك لا يمنع من خوضه لهذه التجربة التي يعتبرها فريدة من نوعها". بينما يقول فرهاد، وهو من زوار المقهى من إيران في حديثه لـ "المدى" إن تجربة تناول الشاي في مقهى العم درويش لها نكهة خاصة، ولذة فريدة لا تضاهيها كل أنواع الشاي الموجودة، خاصة وأنه يقدم للزبائن الشاي العراقي الذي له نكهة خاصة بين الإيرانيين الذين يعشقونه بدرجة كبيرة". ومقهى "العم درويش" هو قصة نجاح إنسانية بسيطة، تحولت بفضل موقعها المميز ورسالة صاحبها إلى معلم بارز في حلبجة، كونه دليلاً على أن الروابط الإنسانية يمكن أن تتجاوز حتى الخطوط المرسومة على الخرائط، وتخلق مساحات مشتركة للسلام والضيافة. وتتميز مدينة السليمانية بطبيعتها الخلابة وتاريخها العريق، مما يجعلها وجهة سياحية بارزة في إقليم كردستان العراق.










