عبد الخالق كيطان
بعد الهجوم الإرهابي الذي تقصد شاطئ بوندي شمال شرق سيدني، الهجوم الذي خلف، علاوة على الخسائر البشرية المروعة، ندوبا في ذاكرة المواطن الذي اعتاد حياة آمنة وبسيطة ليجد نفسه إزاء وحشية التطرف ومشكلة جديدة اسمها: الكراهية، تكثر الاسئلة عن مستقبل الديمقراطية في أستراليا.
الفعاليات الرسمية، والشعبية هنا، نشطت بشكل لافت من أجل امتصاص الصدمة. ليس هينا أن تنقل محطات التلفزة صورة مسلحين حاسري الرأس وهما يصطادان البشر بالبنادق في واحد من أكثر شواطئ سيدني، واستراليا، شهرة. منظر القتلى والجرحى مروع فعلا. قابله مناظر الذين تصدوا للإرهابيين، وبينهم البطل احمد الاحمد، وعدد آخر من المواطنين، محاولين تحييد الإرهابيين ومنعهم من مواصلة هجومهم الدامي.
المؤسف ان العملية الارهابية التي حصلت لم تستهدف السلم الاهلي في استراليا فقط، بل إنها مثلت ضربة في الصميم للديمقراطية في هذه البلاد. لقد استغل الإرهابيون القانون الاسترالي في حيازة السلاح، وهو قانون محدود جدا ويكاد يكون محصورا باسلحة الصيد، لكي يضربوا في عمق البلاد. كما استغلوا الحصول على الجنسية الاسترالية، والتي أهلتهم بالتالي للحصول على جوازات سفر هذه الدولة من أجل التنقل الآمن خارجها. بات من الواضح ان الارهابيين، ساجد أكرم، الذي قتل في العملية، وولده نافيد اكرم، كانا سافرا قبل اسابيع الى الفلبين بجوازات سفر استرالية، وتشير المعلومات الأولية إلى أنهما «اختفيا» في الفلبين لفترة حيث من المرجح أن هذا الاختفاء على علاقة بنشاطهما المتطرف. ومن المعلوم أن الأب وابنه ينحدران من أصول هندية. وكما هو متوقع، فإن الابن، الذي هو في قبضة العدالة، ووجهت له ٥٩ تهمة، يتستر بالقانون الاسترالي حاليا في رفضه الإجابة عن أسئلة المحققين.
بعيد ذلك مباشرة تعالت الأصوات من كل مكان. هناك من يلوم حكومة السيد البانيزي على تساهلها المزعوم مع أصحاب الأفكار المتطرفة، ويدعو هؤلاء الحكومة الى تشديد اجراءتها في صون الديمقراطية، ونبذ الكراهية. الحكومة من جهتها صادقت على ذلك بالفعل في مجموعة اجراءات، بل وذهبت بعيدا عندما شددت على سن قوانين لمكافحة معاداة السامية، تشمل تعزيز قوانين خطاب الكراهية ومنح الحكومة صلاحيات أوسع لإلغاء ورفض التأشيرات لمن يروّج له، إلى جانب تشكيل فريق عمل لمعالجة الظاهرة عبر النظام التعليمي.
زعيمة المعارضة سوزان لي رفعت من سقف المطالبات ما يعني المزيد من القيود عبر قوانين نافذة.
من جانب آخر قال مساعد وزير الهجرة، مات ثيسلثوايت، إن مراجعة إعدادات الهجرة ستأتي ضمن حزمة إجراءات من المرتقب الإعلان عنها خلال الأيام والأسابيع المقبلة، وتهدف إلى منع دخول أشخاص يحملون أفكاراً عنصرية أو معادية للسامية أو قد يحرضون على العنف.
ان ادانة الارهاب والمحرضين عليه، وكذلك تحريم نشر خطاب الكراهية سواء أكان عبر رجال الدين من مختلف الديانات أو من خلال وسائل التواصل، سيكون من الأولويات. كما أن النقاش عن «البيئات» الحاضنة للفكر الإرهابي، وهي هنا العائلة بشكل أساس، سيكون من مهام البرنامج الجديد. وهو برنامج يمتد من الأسرة الى المدرسة، كما أفيد.
ويبدو أن الأمر لن يقتصر على ذلك، فالمطالبات مستمرة من مختلف الفعاليات المجتمعية والسياسية بأعادة استراليا الى سابق سمعتها بوصفها وجهة آمنة، داخليا وخارجيا. الا ان السؤال بعد ذلك كله هو إلى أي مدى ستتضرر الديمقراطية في استراليا من حزمة القوانين الجديدة والمقترحة؟ وهل حرية الرأي والمعتقد مشمولان بهذه الحزمة، أم أن الأمر لا يمس ذلك مطلقا ما دام الحديث عن تثبيت دعائم الأمن المجتمعي، والذي بدا جليا بعد العملية الارهابية، انه مطلب وطني؟










