عبدالكريم يحيى الزيباري
هل تكمن أزمة السينما في غياب الدعم، أم في طبيعة الدعم بوصفه سلطة تُنتج ذائقة موحَّدة تُقصي الاختلاف وتُعطِّل التفكير السينمائي والنقد الاجتماعي؟
ما حاجة مهرجان السينما إلى جلسة نقدية لمناقشة المعوِّقات؟
لماذا حققت السينما الإيرانية-رغم القيود والرقابة- حضورًا عالميًا، وعجزت السينما العراقية والكردية؟
المبدع «فهمي سلمان»، وضعَ إصبعه على الجرح «بسبب وجود فساد كبير عند السينمائيين. خصصت الحكومة نصف مليون دولار لإنتاج فيلم سينمائي، فكان المدعوم هو المخرج والممثل والمنتج والكاتب والسيناريست وكل شيء»!
محمد محسن، الوحيد الذي جلب معه ورقة كتبها، والتزمَ بها. «وزير الثقافة منصب سياسي لا علاقة له بالفن والثقافة. لا توجد لدينا صالات سينما، ولا مؤسسات للسينما. ليس لدينا سيناريست جيد. تخصيصات شراء لاعب دولي، تكفي لإقامة مهرجان سينمائي». لدينا كليات ومعاهد فنون جميلة، لكن ليس فيها قسم سينما واحد.
شوان عطوف، ممثل ومخرج، يميل إلى اللقطة الطويلة، الإيقاع البطيء، الصورة كحاملة معنى. يشتغل على الهوية الكردية، العلاقة بين المكان والإنسان، والمنفى الداخلي. يسعى إلى تجاوز الفولكلور، والابتعاد عن الشعارات.
سهيم عمر خليفة، مخرج ومنتج، يتأرجح بين ثقافة الأصل بما تحمله من ذاكرة وتقاليد وصراعات، وثقافة المنفى البلجيكي بما تمنحه من حرية ومساحة نقدية.
إذا كان «خليفة» يشتغل على الجسد باعتباره حقلًا للسلطة والمعنى، تفكيك العلاقة بين الفرد والمجتمع، يطرح أسئلة الهوية بعيدًا عن الفولكلور، يحاول كشف البنى الخفية للعنف الرمزي والاجتماعي، سواء كان عنف العائلة، أو العرف، أو الجماعة؟ فكيف تُختزل السينما إلى «قصة ومال»؟
هشيار زيرو، من مؤسسي المهرجان، رفض تحويل النقاش إلى مديح مجاني، وقال إنَّ المشكلة ليست في جودة الإنتاج أو المخرج أو الفيلم، العقدة فيما بعد الفيلم، في التوزيع الذي يقرر إن كان العمل سيعيش خارج القاعة أم يموت داخلها. ثم أطلق نكتته: إذا أردت سرقة عمود كهرباء فعليك أن تحفر حفرة تكفي لإخفائه! هنا ينكشف انزلاق السينما من سؤال الرؤية والمعنى إلى سؤال التداول والربح، بوصفه معيار القيمة الوحيد.
تعاني السينما الكردية، من انغلاق مجالها التداولي، حيث يُستبدل النقد بالمديح، والاختلاف بالإجماع، فتتحول العروض والمهرجانات إلى خطاب داخلي بلا جمهور فعلي.
نشأت السينما الغربية بوصفها مشروعًا تجاريًا ترفيهيًا، قبل أن تتطور لاحقًا إلى صناعة ثقافية مدعومة جزئيًا. ما بعد الحرب العالمية الثانية (1945–1970)، أنشأت فرنسا المركز الوطني للسينما، نظام الضرائب على التذاكر لإعادة تمويل الإنتاج، دعم المؤلف السينمائي، نشوء سينما الفن والتجريب. أنشأت بريطانيا المعهد البريطاني للأفلام.
الدعم الحكومي للسينما يؤسس للفساد. ومن جانب آخر، الدعم الحكومي للسينما جزء من شبكة السلطة والمعرفة لأن الدولة حين تمول السينما لا تمول صورة بريئة بل تنتج نظاما للقول والرؤية وتحدد ما يمكن تمثيله وما يجب استبعاده فالدعم يعمل كآلية ضبط ناعمة يحدد شرعية وأشكال سرد مقبولة وأنماطًا جمالية قابلة للتمويل.
والدعم قد يحول السينما إلى حركة مغلقة بتشجيع السرد الخطي والحبكة الواضحة والرسائل الأخلاقية الجاهزة، وهو دعم يعيد إنتاج سينما تقليدية أما الدعم الجماهيري فيسمح بالبطء والفراغ والنهايات المفتوحة فهو دعم يتيح ولادة صورة تفكير جديدة.
ما الذي نفعله الآن، أكثر مما فعلناه قبل اثنتي عشرة سنة في مهرجان دهوك السينمائي الأول؟ ما الذي عرفناه أكثر؟
وجهة نظر: السينما المُدجَّنة: بيان في النقد

نشر في: 29 ديسمبر, 2025: 12:09 ص








