بغداد/ تميم الحسن
قبل ساعات من انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، ما تزال خيوط التفاهمات السياسية غير مكتملة، وسط توقعات بحسم جزئي لمناصب «الرئاسات الثلاث» في اللحظات الأخيرة التي تسبق افتتاح الجلسة.
ووفق المعطيات المتداولة، سيدخل «الإطار التنسيقي» الجلسة الافتتاحية، اليوم، من دون اتفاق نهائي على اسم رئيس الوزراء، رغم سلسلة اجتماعات مكثفة عقدتها القوى الشيعية خلال الأيام الماضية.
وتظهر في آخر هذه التفاهمات ملامح منافسة جديدة، بعد تداول اسم رابع إلى جانب الأسماء الثلاثة المتقدمة للمنصب، في مؤشر على استمرار الانقسام داخل الكتلة الأكبر.
ولا يقتصر الغموض على منصب رئاسة الحكومة، إذ لم تتمكن المكونات السياسية الثلاثة، حتى لحظة كتابة هذا التقرير، من إعلان أسماء رئيس البرلمان ونائبيه، رغم أن الدستور ينص صراحة على انتخاب هيئة رئاسة المجلس في الجلسة الأولى.
وكان البرلمان قد نشر جدول أعمال جلسة اليوم الاثنين، متضمناً فقرتين فقط: أداء النواب اليمين الدستورية، ثم انتخاب رئيس المجلس ونائبيه، وهي خطوة يُفترض أن تفتح الطريق أمام استكمال الاستحقاقات الدستورية اللاحقة، وسط مشهد سياسي لا يزال مفتوحاً على مفاجآت اللحظة الأخيرة.
الانقسام السني: الحلبوسي أم السامرائي؟
من المفترض أن يفتتح عامر الفايز، بصفته رئيس السن، الجلسة الأولى للبرلمان اليوم، على أن يوجّه الدعوة إلى انتخاب رئيس المجلس، في خطوة يُفترض دستورياً أن تمهّد لاستكمال بقية الاستحقاقات السياسية.
وحتى مساء الأحد، كانت التقديرات السياسية تشير إلى أن القوى السنية — التي جرى العرف أن تتولى منصب رئاسة البرلمان — قد تتجه إلى تقديم أكثر من مرشح، في ظل عجزها عن التوصل إلى توافق نهائي. وبحسب مصادر مطلعة، لم يُحسم الخيار بين محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، ومثنى السامرائي، زعيم تحالف «عزم».
وأكد نواب وقيادات في تحالف «عزم»، بينهم ياسين العيثاوي، وحيدر الملا، ورعد الدهلكي، أن المنصب لم يُحسم حتى الآن. غير أن مؤشرات داخل التحالف ذاته توحي باتجاه مختلف، إذ قال القيادي محمود القيسي إن «مطرقة البرلمان» ستكون بيد قائد «عزم»، في إشارة إلى السامرائي، وفق ما ورد في تدوينة نشرها على منصة «إكس».
واعتبر القيسي أن ترشيح السامرائي يستند إلى «معايير موضوعية ورؤية مسؤولة»، مضيفاً أنه «يعبر عن حاجة المرحلة إلى قرار متوازن يقود المؤسسة التشريعية بثبات وحكمة»، قبل أن يختم تدوينته بوسم: «السامرائي رئيساً».
وكان ثابت العباسي، وزير الدفاع وأحد قيادات ما يُعرف بـ«المجلس السياسي الوطني» الذي شكلته القوى السنية الشهر الماضي، قد أعلن أن اسم رئيس البرلمان سيُعلن يوم الأحد، وهو إعلان لم يتحقق حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
«الانسداد السياسي» يلاحق الإطار
ولا تقل تعقيدات منصبي نائبي رئيس البرلمان عن رئاسة المجلس نفسها. فما تزال القوى الشيعية مختلفة على تسمية النائب الأول، وهو منصب يُخصص عرفاً للمكون الشيعي.
وتتداول الأوساط السياسية عدة أسماء، من أبرزها محسن المندلاوي، نائب رئيس البرلمان السابق، وأحمد الأسدي، وزير العمل، إضافة إلى شبل الزيدي، زعيم «كتائب الإمام علي»، الذي انضم أخيراً إلى دعوات «حصر السلاح»، إلى جانب عدنان فيحان، محافظ بابل عن «عصائب أهل الحق».
غير أن تسمية النائب الأول لرئيس البرلمان ترتبط بأزمة دستورية موازية داخل «الإطار التنسيقي»، تتعلق بحسم منصب رئيس الوزراء. وبحسب الأعراف السياسية، لا يمكن تثبيت هذا المنصب قبل الاتفاق على رئاسة الحكومة، إذ لا تستطيع الكتلة التي يخرج منها رئيس الوزراء الجمع بين الموقعين.
ويشير قيادي في أحد الأحزاب الشيعية، في حديث لـ«المدى»، إلى أن «الساعات الأخيرة قبل انعقاد الجلسة قد تشهد انفراجاً في تسمية النائب الأول»، لكنه يقر في الوقت نفسه بأن القوى الشيعية دخلت خلال الأسابيع الماضية في حالة «انسداد سياسي»، وهو الوصف الذي استخدمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني نفسه في مبادرته الأخيرة الرامية إلى فك عقدة اختيار رئيس الحكومة.
ووفق المصدر ذاته، فقد دخل قاسم الأعرجي، مستشار الأمن القومي، السباق كمرشح رابع إلى جانب السوداني ونوري المالكي وحيدر العبادي، الذي أعلن أخيراً استعداده لتولي المنصب مجدداً.
ويتوقع القيادي، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن «يُحسم اسم رئيس الوزراء خلال الأسبوع الأول من العام الجديد 2026»، في ظل ضغوط الوقت واستحقاقات ما بعد الجلسة الأولى للبرلمان.
منصب النائب الثاني للبرلمان
على الضفة الأخرى من التفاهمات، ما تزال القوى الكردية، التي يُفترض أن تحظى بمنصب النائب الثاني لرئيس البرلمان، عاجزة عن حسم خيارها. ويرتبط هذا التردد بتفاهمات أوسع تتعلق بمنصب رئيس الجمهورية، الذي يُعد الموقع الأهم والأكثر تعقيداً بالنسبة للمكون الكردي.
وتتداول الأوساط السياسية عدة أسماء مرشحة للمنصب، من أبرزها شاخوان عبد الله، نائب رئيس البرلمان السابق، والنائب ريبوار هادي، إلى جانب فرهاد أتروشي، والنائبة أشواق الجاف، في ظل غياب توافق واضح بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم.
وتوحي تطورات المشهد بإمكانية تكرار سيناريو الجلسة الأولى للبرلمان عام 2021، حين تمكن «التحالف الثلاثي» — الذي ضم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني — من تمرير انتخاب الحلبوسي رئيساً للبرلمان بعد نحو شهرين من الانتخابات، مع حاكم الزاملي نائباً أول، وشاخوان عبد الله نائباً ثانياً.
وسبقت تلك الجلسة حالة من الفوضى السياسية والإعلامية، بعدما ادعى محمود المشهداني، الذي أدار الجلسة حينها بصفته «رئيس السن»، تعرضه للاعتداء من قبل نواب صدريين، قبل أن يتراجع لاحقاً ويقرّ بأن الحادثة لم تقع، وأنه اختلقها بهدف تعطيل الجلسة، في وقت كان التيار الصدري يستعد لتقديم طلب رسمي يثبت كونه «الكتلة الأكبر» من دون مشاركة بقية القوى الشيعية.
ويرى مراقبون أن ذلك الموقف خدم المشهداني سياسياً، إذ عاد بعد ثلاث سنوات إلى رئاسة البرلمان بدعم مباشر من «الإطار التنسيقي»، ولا سيما جناح نوري المالكي، زعيم ائتلاف «دولة القانون»، في ما اعتُبر مكافأة متأخرة على دوره في تلك الجلسة المفصلية.
الجلسة المفتوحة
في المقابل، شدد الخبير القانوني سالم حواس على أن الجلسة الأولى لمجلس النواب «يجب أن تُحسم فيها رئاسة المجلس ونائباه في الجلسة ذاتها، دون تمديد أو إبقاء الجلسة مفتوحة».
وأضاف حواس في تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي أن مبدأ «الجلسة المفتوحة» لا يستند إلى أي نص دستوري أو قانوني، ولم يرد في النظام الداخلي لمجلس النواب، معتبراً أنه «ممارسة مستحدثة أفرغت الاستحقاقات الدستورية من مضمونها، وفتحت الباب أمام التعطيل والمساومات السياسية».
وأوضح الخبير القانوني أن غياب نص يفرض عقوبة جزائية أو مالية على مخالفة هذا المسار «لا يعني إباحته». واعتبر أن ترك الجلسة دون حسم هيئة الرئاسة «يمثل إخلالاً بالمسؤولية الدستورية والأعراف البرلمانية الرصينة، ويضع رئاسة السن وأعضاء المجلس أمام مساءلة سياسية وأخلاقية، حتى وإن لم تُقابل بجزاء قانوني مباشر».
وختم بالقول إن «احترام الجلسة الأولى وحسم رئاستها يمثل اختباراً لهيبة الدولة قبل أن يكون اختباراً للنصوص، ومن يفشل فيه يتحمل تبعاته أمام الشعب والتاريخ" .









