في إطار الاحتفاء بالرموز الوطنية، احتفى بيت المدى بالمحقق "الاديب الراحل" محمد حسين الاعرجي، يوم أمس في شارع المتنبي، وادار الجلسة رفعة عبد الرزاق محمد، الذي قال عن المحتفى به انه محقق قدير وباحث كبير معروف في الاوساط الثقافية منذ أوائل السبعينيات، سافر الاعرجي الى خارج العراق في الثمانينات وكان له دور مشهود في الثقافة العراقية ورغم رغبته وسفره الا ان اثاره ظلت في داخل العراق ،العديد من كتبه استنسخت في شارع المتنبي وقدمت للقراء، وبعد التغيير عام 2003 عاد الى بغداد وأكمل نشاطه الفكري وعين في وظيفة ثقافية مرموقة الا ان المرض داهمه فرحل عنا ولكن كتبه مازالت من المصادر التي يعتمد عليها في الدراسات العليا، بعض افكاره سيعاد نشرها عبر مؤسسة المدى بعد ان نشرت له كتب عدة.
كان اول المتحدثين عن د.عبد الله عبد الرحيم السوداني والذي اوضح سيرة حياة المحتفى به قائلا : أكمل الاعرجي دراسته الاولية في النجف الاشرف، وأتم دراسته الجامعية في كلية الآداب بجامعة بغداد بتفوق، ويلمس فيه استاذه الدكتور علي جواد الطاهر نجابته وتفوقه، ويرى انه سيكون ذا بال وشأن فيحثه على اكمال دراسته العليا، وكانت غاية الاعرجي وطموحه ان يكون مدرساً في احدى المدارس الثانوية ويستهلك عمره وعقله بين الصف والدفاتر ، ولكنه يستجيب لنصيحة شيخه الطاهر ويقدم للدراسات العليا، فينهي دراسته للماجستير والدكتوراه باشراف الطاهر، وتجاز الرسالتان بتقدير عال، بل ان اطروحته للدكتوراه عن الصراع بين القديم والحديث طبعت اكثر من طبعة، ويعين الاعرجي مدرساً في كلية الاداب بجامعة بغداد، كل ذلك وبيني وبين الاستاذ الاعرجي سلام عابر وتحية من بعيد.
ويتابع "بعد ذلك عرفني الصديق الدكتور عبد اللطيف الراوي بالاستاذ الطاهر و الاعرجي ، وأسهم معهم في مقابلة نسختين مما استجد من مخطوطات (درة التاج من شعر ابن الحجاج) لم تكن معروفة للاستاذ الطاهر يوم تقدم به لنيل الدكتوراه من السوربون، ونسخت بخطي اكثر الكتاب، ويسهم الاستاذ جليل العطية باخراج الكتاب عن دار الجمل،وتضايق السلطات الحاكمة العراقيين جميعاً، وتكمم الافواه وتجبرهم على الانتماء لحزب البعث وتضيق عليهم حرياتهم ومعايشتهم، فيذهب الاعرجي للجزائر، ويثبت قدمه استاذاً ملء السمع والبصر، وينال هناك درجة الاستاذية، وتهديه الجامعة حاسبة، كان يكتب بها ابحاثه وكتبه، بدلاً من كتابتها بخطه البديع المنمنم المنمق الرائع،وفي الجزائر اصدر اكثر من كتاب، كان يوصل اكثرها الى استاذه الطاهر، اذكر منها تحقيقه كتاب (مقطعات مراث) لابن الاعرجي وكان يوصل غيرها من الكتب مما يصدر في الجزائر أو مما لا يصل الى العراق.
وتخرجه حكومة الجزائر وغيرها من العراقيين ارضاءً لحكم صدام حسين وتقرباً اليه، فيمم وجهه صوب مدينة الزاوية ليعمل في جامعة السابع من ابريل، ويظل فيها حتى نهاية عام 2000 للميلاد، ولم احظ بلقائه يوم عملت في كلية المعلمين في الزاوية، لانه تعاقد مع جامعة بوزنان في بولندا.،ولم يعد للوطن حتى سنة 2003م، فيعين في كلية الآداب.
وأضاف: الأعرجي متنوع الاهتمامات والتأليف، كتب عن (تاريخ العمل المسرحي عند العرب)، كما كتب عن (الجاسوسية في التراث العربي) وحقق (شعر الحماني) الشاعر الكوفي، وكان من عرض لحياتهم في رسالته للماجستير، وله فيه ملاحظات واستدراكات على الدكتور مزهر السوداني.
كان الاعرجي دقيقاً في قراءته النصوص، يستقرئ بواطنها ويكشف خفاياها، فيصوب ما فيها من هنات، ويصيب في اكثر ما يصوب، كما كان يتعهد ما ينشر بالاضافة والتنقيح والتصويب كما فعل في تحقيقه (شعر ابي حكيمة) الذي طبع اكثر من طبعة، وقد استعار مني نسخة من مخطوط (جوامع اللذة) قبل وفاته بقليل، اذ كان يعد شعر أبي حكيمة لطبعة رابعة.
والأعرجي شاعر رائع الحرف جميل الصورة والكلمة حتى انه ليبز الكثير ممن احترفوا الشعر وتكسبوا به، ولو انه نافسهم لغاتهم، ولكنه احترم كلمته وحرفه وانسانيته، فارقنا وهو لما يزل في قمة عطائه وعنفوان ابداعه فكان كما قيل.
الناس للموت كخيل الطراد
فالسابق السابق منها الجواد
اما المفهرس التاريخي حسن عريبي كان ثاني المتحدثين والذي استعرض مؤلفات المحتفى به حسب الأحرف الأبجدية ذاكراً ان الاعرجي كان كاتباً رائعاً.
وذكر حسين القاصد الذي كان ثالث المتحدثين، "أنا الطالب العراقي الوحيد الذي أشرف عليه الأعرجي، كان صديقاً حميماً وحتى هذه اللحظة لم أحذف رقم هاتفه، كنا نلتقي مساء كل يوم جمعة، الأعرجي كان يخاطبني في حديثه اني شقيقه الوحيد، الأعرجي مازال حياً في كتبه من وصايا الأعرجي ان لا يؤبن في اتحاد الأدباء او في وزارة الثقافة او في كلية الآداب، وانا استغرب عدم حضور أي احد من كلية الآداب، انا من شيع الأعرجي، انه كان ساخراً لاذعاً كان يسمي الأشياء بأسمائها، ومن شدة سخريته ان يصدر كتاباً عن دار الشؤون الثقافية كتب فيه لأول مرة درجته العلمية استاذ دكتور في جامعة الجزائر، مدرساً في كلية الآداب اذ لم يقبلوا ترقيته ، ورغم ان الأعرجي كان من محافظة النجف الا انه لم يكن نجفياً وحتى عند عودته الى العراق لم يعد الى محافظته انما سكن بغداد، احتاج الأعرجي في كل لحظة وأتكلم معه مع نفسي دائماً لأن ذكرياته معي وكل ما يخصه منحني إياه، من وصاياه أن لا تباع مكتباته لكن احدى مكتباته بيعت في شارع المتنبي، وقدم القاصد ابياتاً من الشعر عن المحتفى بها استمتع الحاضرون بها.
اما الأديب والكاتب حسين الجاف قال عن الأعرجي تعرفت به عام 2005، فوجدته انساناً ودوداً رائعاً شفافاً ومشاكساً ايضاً، أذكر انه كان يجري بحثاً عن المرأة في التراث الاسلامي وعلى الرغم من انتسابه الى اسرة دينية علوية في النجف الأشرف لكنه كان دقيقاً في نقل الظواهر وكان منفتحاً ويحب العراق وأهله وناضل كثيراً وتشرد في المنافي ولكنه لم ينس أهله ووطنه، لقد كان العراق في قلبه وكانت محبة الناس غذاء روحه.
اما عبد الرضا علي الناقد والباحث قال "كنت حاضراً في مناقشته لرسالة الدكتوراه ورافقت ما جاء وكان فيها أحد الأساتذة في اللجنة أراد الاساءة الى الدكتور علي الطاهر من خلال الاساءة الى تلميذه الأعرجي فكان ذلك الاستاذ يقول كلاما لا علاقة له برسالة الدكتوراه،وكان الطاهر يرد على اللجنة ومسك المايكرفون وامتدح الأعرجي قائلاً (عبقري هو وكتابه كتاب)،وأضاف " درس الأعرجي الصراع بين القديم والحديث دراسة لم يقدمها أحد سابقاً، من يريد ان يتعلم كيف تكتب المقالة الادبية عليه ان يقرأ كتاب الأعرجي (الأدب وما حوله) اذ ان مقالاته لا يتمنى قراؤها ان تنتهي وعندما تكمل الكتاب تحتفظ به في ادراج القلب، مقالاته رائعة جريئة والأبيات الشعرية ينتقيها بذكاء انه شاعر من الطراز الأول رواية الجواهري بإمعان، فقيه في اللغة يتخطى كل الكتاب فيها. عندما يكتب لا يشطب أو يغير أو يعيد. قلت جملة فيه عند وفاته هي (رحم الله الأعرجي غيرة ووفاءً النجفي ولادة ونبوقي السجادي عرومة ونسق التراثي ثقافة وعلماً التقدمي فلسفة وفكراً).
واعطى القاضي زهير كاظم عبود رأيه عن مايعرفه عن الاعرجي قائلا :كنت قد سمعت به كثيراً حتى التقيته في مهرجان المدى بأربيل عام 2007 وشكلنا انا ورشيد الخيون والراحل محمد حسين الأعرجي مجموعة لم تفترق ليلاً ونهاراً ولم يسعفني الزمن ان اشبع من احاديثه اذ كان الاعرجي ممتعاً وشيقاً في احاديثه ومشاكساً يقع في مطبات الخيون بيسر وسهولة.. وتوطدت علاقتي به بعد عودتي من مهجري في السويد والتحاقي بعملي القضائي، وسررت يوماً لزيارته لي في مكتبي.
ولم أزل أكن للأعرجي كل التقدير والاجلال لمكانته الثقافية واحساسه الانساني وبساطته وتواضعه،انه لا يزال مؤثراً في حياتنا.
فيما قال شكيب كاظم عنه انه علم من اعلام الكتابة والتحقيق الاعرجي المولود في النجف والمتوفى في بغداد ،ولقد عصفت بهذا الباحث الدقيق رشيق العبارة انيق اللفظ، أجواء السياسة العاصفة في العراق والسياسة وتعاطيها في العراق، معضلة كبرى وأدت الكثير من القابليات والامكانات.
وخلص الى ان الأعرجي لو عاش في أجواء هادئة لقدم الكثير الكثير، ولكن والمرء محكوم بظروفه، انسان نابغة وكتابه كتاب على حد وصف استاذه واستاذنا علي جواد الطاهرعند مناقشته رسالة للدكتوراه يوم غمر جهده الغامرون، الذين أعلوا من شأن السياسة البغيضة في مواجهة العلم والبحث والكتابة.