علي حسين
لم يكن كامل الجادرجي وجعفر أبو التمن ومحمد حديد وحسين جميل ومحمد رضا الشبيبي مجرّد نواب يحفلون بالمواقف الوطنية، بل كتباً غنية لحقبة من الزمن الصح. كانوا جميعاً يريدون دولة تقوم على العدل الاجتماعي، ونظام سياسي يحفظ كرامة الإنسان، كان ذلك جيل البناء والاجتهاد ونقاء الضمير، جيل آمن بأن العراق لوحة كريستال جميلة، إذا فقد جزءاً منه فقد مبرر وجوده وتناثر. ونحن نقرأ سيرة هؤلاء الرجال اليوم، نجد من الصعب أن نحدد إذا كان الواحد منهم يتصرف داخل البرلمان باعتباره ينتمي إلى طائفة معينة أم إلى حزب بعينه. يبدو ذلك مستحيلاً، بل من المحظورات أن تجد رجلاً بحجم محمد رضا الشبيبي يتحدث بالطائفة والعشيرة والمكوّن، لا يمكن أن يحسب السياسي على طائفته، إلا في زمن أمراء الطوائف ومراهقي السياسة، زمن أصبح فيه كل شيء سهلاً، المال العام أصبح خاصاً، والمنصب لا يسعى إليه من خلال الاجتهاد والعمل والخبرة، بل الوسيلة إليه هي التزوير والانتهازية والمحسوبية، هل شاهدتم السجال في النزاهة الذي أعلنه جمال الكربولي ، وصفقة المليارات التي وزعت قبل عقد جلسة البرلمان، لا تعليق على هذا السجال سوى انتظار إلى أي حزب جناح سينتمي عزت الشابندر في الانتخابات، بعد أن تقلب من حزب الدعوة إلى القائمة ، وطار إلى دولة القانون وبيده مشعان الجبوري، أنا أنصحه بالانضمام إلى حزب تقدم لصاحبةه السياسي " المخضرم” محمد الحلبوسي صاحب نظرية ”العراق في وقته الحالي بحاجة إلى وزراء يحملون لمسات عشائرية ”. كان كامل الجادرجي بحسب روايته ابنه نصير نصير يحتفظ بسجل يدون فيه، التشريعات والقوانين التي يرى فيها ظلماً، والمواقف المخزية التي تصدر من احدى الشخصيات السياسية ، أو تصريحاً طائفياً لآخر، أو معلومة عن سياسي نهب مالاً عاماً، أخبار المسؤولين المرتشين واللصوص ،كان الجادرجي بروحه الوطنية يحرص على تدوين فضائح الساسة ويحذرهم من اللعب بمستقبل البلاد ربما سيسخر البعض مني ويقول: يارجل لماذا لا تتوقف عن متابعة يوميّات الساسة والنواب ، ألا تشعر بالملل؟ ما الذي تريد أن تصل إليه؟، ومطلوب من ”جنابي” أن يكون جوابه أكثر وجاهة، فأنا ياسادتي الأعزّاء ، مجرّد مواطن يبحث عن دولة قابلة للتطور في وطن قابل للحياة. عدالة اجتماعية وتوازن في الخير والمحبة، لا في السيارات المفخخة، ما ذنبي إذا كان البعض يرى في ما أكتبه نوعاً من الـ"بطر". دائما ما يخبرنا نواب هذا العصر بأن مهمتهم هي إعادة الحياة اإلى مدن العراق، وهو قول فاسد شكلاً ومضموناً ومعاد، وتتردّد كثيرأ على ألسنة ساستنا ، الذين استبدلوا الكفاءة والنزاهة بالقارابة والمحسوبية .. بلاد استبدلت كامل الجادرجي وجعفر ابو التمن بهيبت الحلبوسي وعالية نصيف ، وتخلت عن برلمان المواقف الوطنية لصالح برلمان الصفقات المليارية .









