TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > الصين توسع حضورها في النفط العراقي... فرصة لتنويع الاقتصاد أم تهديد للسيادة؟!

الصين توسع حضورها في النفط العراقي... فرصة لتنويع الاقتصاد أم تهديد للسيادة؟!

نشر في: 31 ديسمبر, 2025: 12:40 ص

 بغداد / تبارك عبد المجيد

تتوسع الشركات الصينية بقوة في القطاع النفطي العراقي، مستفيدة من عقود مرنة وتكاليف تشغيل منخفضة مقارنة بالشركات الغربية، لتشمل تطوير الحقول النفطية والغازية، ومشاريع التكرير والبتروكيماويات. وبينما يسرّع هذا التوسع من إنجاز المشاريع ويخلق فرص عمل، يشير الخبراء إلى أن التنويع الحقيقي للشركاء لا يتحقق بتغيير جنسية المستثمر فقط، بل يتطلب شروطًا واضحة لنقل التكنولوجيا، وتعزيز دور الشركات الوطنية، وتطبيق حوكمة شفافة.
ويؤكد اقتصاديون أن العراق يمتلك فرصة فريدة لتحويل التنافس الدولي إلى مكسب اقتصادي مستدام، إذا ما تعامل مع الاستثمارات بمنطق المصلحة الوطنية والقواعد السوقية، بعيدًا عن التبعية أو الصفقة السياسية غير الواضحة.
وتعمل في العراق شركات صينية حكومية ومستقلة، من بينها سينوبك، والشركة الوطنية الصينية للنفط البحري (CNOOC)، ويونايتد إنرجي، وجيو-جيد، وتشونغمان؛ مستفيدة من عقود استثمارية مرنة وتكاليف تشغيل أقل مقارنة بالشركات الغربية.
وبحسب تقارير اقتصادية، تمكنت الشركات الصينية من الفوز بحصة كبيرة من عقود الطاقة المطروحة خلال الأعوام الماضية، شملت تطوير حقول نفط وغاز، وإنشاء مرافق معالجة، إضافة إلى مشاريع مرتبطة بالتكرير والبتروكيماويات. ويُنظر إلى هذا التوسع بوصفه عاملًا داعمًا لزيادة الإنتاج النفطي، وتسريع تنفيذ المشاريع المتعثرة، وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، فضلًا عن إدخال تقنيات حديثة في بعض مواقع الإنتاج.
تحويل التنافس الدولي إلى مكاسب!
يؤكد الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه أن من الناحية الاقتصادية لا يمكن توصيف التوسع الصيني في القطاع النفطي العراقي بوصفه تنويعًا صحيًا كاملًا للشركاء، ما لم يُقاس بطبيعة العقود، وتوزيع المخاطر، ومستوى نقل التكنولوجيا، وهيكل السيطرة على سلاسل القيمة. ويشير إلى أن التنويع الحقيقي لا يتحقق بمجرد تغيير جنسية المستثمر، بل من خلال تنويع أنماط الاستثمار، ومصادر التمويل، وآليات الإدارة.
ويوضح عبد ربه لـ "المدى" أن "التجربة العراقية تُظهر دخول الشركات الصينية بقوة إلى الحقول النفطية الكبيرة والمتوسطة عبر عقود خدمة طويلة الأجل، مع تركّز ملحوظ في عمليات التطوير والتشغيل، ما يخلق نمطًا جديدًا من الاعتماد لا يختلف جوهريًا عن النموذج السابق القائم على الشركات الغربية، بل يختلف في الجهة فقط، لا في البنية الاقتصادية".
ويضيف أن العراق يمتلك أدوات اقتصادية وقانونية حقيقية، لكنها غير مفعلة بالكامل، من أبرزها إعادة هندسة جولات التراخيص بما يسمح بتحديد سقوف مشاركة لأي جنسية أو تحالف، وتفكيك التركّز بدل تعزيزه، إلى جانب الانتقال جزئيًا من عقود الخدمة الصارمة إلى نماذج أكثر مرونة ترتبط بالأداء ونقل المعرفة. كما يشدد على أهمية تعزيز دور الشركات الوطنية، ولا سيما شركة نفط البصرة، كشريك تشغيلي حقيقي لا إداري فقط، مع فصل التمويل عن النفط للحد من ربط القرار النفطي بالتزامات مالية طويلة الأجل، فضلًا عن تنويع الشركاء داخل الحقل النفطي الواحد.
وبالحديث عن القيمة المضافة للاستثمارات الصينية في العراق، يقول الباحث الاقتصادي أحمد عيد إن "القيمة المتحققة حتى الآن من جزء معتبر من هذه الاستثمارات ما تزال أقل من الطموح، إذا ما قورنت بمعايير نقل المعرفة، وتوطين التشغيل، وبناء سلاسل توريد محلية، ورفع المحتوى المحلي. ففي كثير من المشاريع، يظل الأثر الأوضح هو تسريع إنجاز البنى التحتية أو تنفيذ عقود مرتبطة بالقطاع النفطي والطاقة، في حين يبقى الأثر التكنولوجي والمؤسسي – مثل التدريب، والإدارة، والتصنيع المحلي، والشراكات مع الجامعات ومراكز البحث، وإحلال الواردات – محدودًا ومتفاوتًا من مشروع إلى آخر".
ويضيف عيد لـ"المدى" أن "المشكلة لا تكمن في الصين بقدر ما تتعلق بقدرة الدولة العراقية على فرض شروط قيمة مضافة داخل العقود الاستثمارية، مثل نسب تشغيل محلي ملزمة، ونقل تقنية موثق بجداول زمنية واضحة، وتطوير موردين عراقيين، وربط الدفع بتحقيق مؤشرات أداء محددة"، مؤكّدًا بالقول: "من دون هذه الأدوات، يتحول الاستثمار إلى مقاولة تنفيذ، لا إلى رافعة تنمية، ويظل العائد غير المباشر محصورًا في دورة النفط والإنفاق العام، بدلاً من أن يتحول إلى إنتاجية وفرص عمل مستدامة".
ويشير إلى أن "العراق يمتلك فرصة حقيقية لتحويل التنافس الدولي إلى مكسب اقتصادي إذا ما تعامل معه بمنطق المصلحة الوطنية وقواعد السوق وتنويع الشراكات، لا بمنطق الاصطفاف السياسي. وإذا جعلت بغداد القيمة المضافة شرطًا تعاقديًا، وطبقت حوكمة شفافة، ووزعت الشراكات على أساس الكفاءة، يمكنها تحويل هذا التنافس إلى عنصر ضغط لصالح العراق من حيث أسعار أفضل، وتقنية أعلى، وتشغيل أوسع". محذرًا من أن "بقاء القرارات الاستثمارية رهينة السياسة والصفقات غير الواضحة سيحوّل هذا التنافس إلى كلفة سيادية واقتصادية، يدفع المواطن ثمنها في الخدمات وفرص العمل والاستقرار".

تأثير التركز الصيني على القرار الاقتصادي!
يرى الاقتصادي عبد الله نجم أن التوسع الصيني في القطاع النفطي العراقي لا يمكن اعتباره تلقائيًا انتقالًا من تبعية غربية إلى تبعية شرقية، لكنه أيضًا لا يُعد تنويعًا صحيًا للشركاء ما لم يُدار ضمن رؤية اقتصادية واضحة وطويلة الأمد. ويؤكد أن التنويع الحقيقي لا يُقاس بعدد الدول المتعاقدة، بل بميزان القوة داخل العقود وقدرة الدولة على الاحتفاظ بهامش قرارها السيادي.
ويشير نجم لـ"المدى" إلى أن الحكم على طبيعة الشراكة مع الصين يتطلب مراقبة مجموعة من المؤشرات الاقتصادية، أبرزها: نسبة الشركات الصينية من إجمالي الإنتاج النفطي، وهيكل العقود الموقعة ومدى مرونتها، وحصة الشركات الوطنية في التشغيل والإدارة، إضافة إلى مستوى تنويع الأسواق التصديرية وعدم ربط النفط العراقي بسوق واحدة أو بترتيبات دفع مقيدة. كما يؤكد أن آليات التسعير، وشروط التمويل، وطريقة تسوية المدفوعات، كلها مؤشرات حساسة تكشف إن كان العراق بصدد شراكة متوازنة أم اعتماد أحادي جديد.
وحول تأثير التركيز المتزايد للشركات الصينية في عقود النفط، يوضح نجم أن الخطر لا يكمن في "الصين بحد ذاتها"، بل في اختلال التوازن. فحين تهيمن جهة واحدة على الاستثمار والإنتاج والتمويل، فإن ذلك ينعكس تدريجيًا على استقلال القرار الاقتصادي، لا سيما على المدى المتوسط والبعيد، عبر تضييق خيارات التفاوض وربط مشاريع الطاقة بمصالح سياسية أو مالية غير مباشرة.
ويضيف أن العراق لا يزال يمتلك أدوات لتعديل هذا المسار، من بينها إعادة هيكلة جولات التراخيص، وتنويع الشركاء في المراحل اللاحقة من الإنتاج والخدمات النفطية، وتفعيل دور شركة النفط الوطنية، فضلًا عن استخدام التشريعات والسياسات المالية لإعادة ضبط العلاقة مع أي شريك خارجي متى ما تطلبت المصلحة الوطنية ذلك.
وفي ظل التنافس الصيني–الأميركي، يرى عبد الله نجم أن بغداد تمتلك فرصة نادرة إذا ما أحسنت إدارة هذا التوازن. فبدل أن تكون ساحة صراع مصالح، يمكن للعراق أن يتحول إلى لاعب تفاوضي ذكي، يستخدم هذا التنافس لتحسين شروطه التعاقدية، وجذب استثمارات متنوعة، وفرض معايير أعلى في التكنولوجيا، والبيئة، والتشغيل المحلي.
ويتابع نجم بالتأكيد على أن المشكلة ليست في "من يستثمر في العراق"، بل في "كيف يفاوض العراق، وبأي رؤية، ولأي هدف". فحين تكون المصلحة الوطنية واضحة، تصبح الشراكات الدولية أدوات قوة لا مصادر تبعية، سواء أتت من الشرق أم من الغرب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

مقالات ذات صلة

البرلمان يدشّن أول خرق دستوري.. وانقسام حاد يهدد الاستحقاقات المقبلة

البرلمان يدشّن أول خرق دستوري.. وانقسام حاد يهدد الاستحقاقات المقبلة

بغداد/ تميم الحسن خرق البرلمان الدستور في جلسته الأولى عبر تمديد إجراءات اختيار رئاسة المجلس - بحسب خبراء في القانون -، فيما كشفت مجريات الجلسة عن انقسام داخل ما يُعرف بـ"الكتلة الأكبر» . وعلى...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram