النجف / عبدالله علي العارضي
تحولت السجالات السياسية في محافظة النجف، خلال الأيام الماضية، من مجرد اختلاف في وجهات النظر إلى مواجهة مفتوحة بين المحافظ الحالي يوسف كناوي والمحافظ السابق ماجد الوائلي، بالتزامن مع ما تشهده المحافظة من ضغط خدمي متصاعد وترقب سياسي لمرحلة تشكيل حكومة جديدة. وقد اندلعت شرارة الأزمة عقب تصريح مصور للمحافظ الحالي حمّله فيه سلفه مسؤولية التعثر في عدد من المشاريع، ليأتي الرد من الوائلي عبر منشور على صفحته الشخصية، ألمح فيه إلى عدم مصداقية حديث المحافظ الحالي، مما فتح الباب أمام موجة واسعة من التساؤلات والمناكفات داخل الأوساط السياسية والإعلامية في النجف.
وفي هذا السياق، يرى محللون أن ما يجري يعكس طبيعة التنافس السياسي في مرحلة حساسة، أكثر مما يمثل نقاشًا موضوعيًا حول ملفات الخدمات. إذ يصف المحلل السياسي حسام زوين المشهد بأنه تنافس قائم في ظل أجواء سياسية معقدة، مؤكدًا أن توقيت هذه التصريحات ليس بمعزل عن حراك تشكيل الحكومة الجديدة، وقد تكون له تداعيات على خارطة التحالفات.
ويعتبر زوين أن تصريح المحافظ الحالي بشأن مشروع نفذه سلفه يعد أمرًا اعتياديًا في العمل السياسي، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى ضرورة الإنصاف والإقرار بأن ماجد الوائلي حظي خلال مدة حكمه بدعم مالي غير مسبوق ضمن "قانون الأمن الغذائي»، وبمساندة مباشرة من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، مما أتاح تخصيص أموال كبيرة لمحافظة النجف لم تشهدها سابقًا.
ويضيف زوين أن جزءًا من تلك المشاريع استُكمل لاحقًا، فيما انتقل العمل إلى مشاريع جديدة، لافتًا إلى وجود فارق جوهري يتمثل في امتلاك المحافظ السابق مساحة أوسع للحركة والتمويل، بينما يواجه المحافظ الحالي قيودًا مالية واضحة، في ظل الدور المؤثر لما يُعرف بـ "المال السياسي» في إنجاح أو تعطيل عمل الحكومات المحلية. ورغم ذلك، يرى زوين أن المحافظ الحالي تمكن من إنجاز بعض المشاريع المهمة، ويعمل حاليًا على إعداد مشاريع أخرى، مشددًا على أن تقييم تجربة أي محافظ لا يمكن أن يتم خلال مدة تقل عن سنتين، وأن ما يدور حاليًا لا يتجاوز حدود التراشق الإعلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يبلغ مستويات تصعيد خطيرة.
من جهة أخرى، يضع صحفيون ومراقبون ما يجري ضمن إطار نمط متكرر من الخطاب السياسي المحلي؛ إذ يرى الصحفي طاهر العساف أن تبادل الاتهامات بين المحافظين عبر منصات التواصل أصبح سلوكًا شبه اعتيادي لدى الطبقة السياسية في النجف، حيث يسعى كل محافظ إلى تحميل سلفه مسؤولية الإخفاق لإظهار نفسه بمظهر المنقذ. ويلفت العساف إلى أن هذا الخطاب غالبًا ما يترافق مع تضخيم لإنجازات سابقة أو تسويق لمشاريع غير مكتملة بوصفها نجاحات، سعيًا لكسب الرأي العام أو تحييد أي معارضة محتملة داخل المجتمع النجفي.
وبحسب العساف، فإن هذا النهج، وإن تضمن بعض الوقائع، ينطوي على أخطاء كبيرة؛ لأن استمرار تبادل الاتهامات لن يفضي إلى حلول حقيقية، بل سيعمق الأزمات داخل المحافظة. كما يربط العساف السجال الحالي بالخلافات السياسية المزمنة بين "تيار الحكمة» و"التيار الصدري»، معتبرًا أن كل طرف يحاول وضع الطرف الآخر في خانة الفشل، لتتحول القضايا الخدمية إلى أدوات في صراع سياسي أوسع.
من زاوية مغايرة، يرى مراقب الشأن العام كرار محمد أن ما يجري ينطوي على قدر من الظلم للطرفين، مؤكدًا أن لكل تجربة إدارية مكامن قوة وضعف.
ويشير محمد إلى أن ماجد الوائلي، وبرغم كونه إداريًا متمكنًا، بقي بعيدًا عن الشارع النجفي، ولم يستجب لمطالب الصحافة والمجتمع المدني بالمكاشفة حول ما يجري داخل ديوان المحافظة، مكتفيًا بالعمل ضمن دائرة سياسية ضيقة، مضيفًا أن مدته الأخيرة شهدت تراجعًا في الإشراف على المشاريع، بالتزامن مع تقليص التخصيصات المالية من الحكومة المركزية، في وقت حظيت فيه محافظات أخرى بدعم أكبر نتيجة قربها السياسي. أما بخصوص أداء المحافظ الحالي، فيؤكد محمد أن حجم التحديات كبير، لا سيما في ملف المشاريع السكنية والاستثمارية، إلا أن معظم هذه المشاريع لم تتجاوز حتى الآن مرحلة وضع حجر الأساس، مما عزز شعور الإحباط لدى المواطنين الذين كانوا يأملون بتغيير ملموس. وبرأيه، فإن المشهد الحالي تحول إلى حراك إعلامي أكثر منه عملًا ميدانيًا، محذرًا من أن الانجرار خلف الضغط الجماهيري أو الإعلامي دون قراءة دقيقة للواقع قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات لا تصب في مصلحة المواطن.
محافظة النجف تُعدّ من أبرز المحافظات العراقية سياسيًا وثقافيًا، حيث تلعب مكانتها الدينية والتاريخية دورًا مهمًا في رسم المشهد السياسي المحلي والوطني. شهدت المحافظة خلال السنوات الماضية تنافسًا مستمرًا بين القوى السياسية المختلفة، ما انعكس في العديد من الملفات الخدمية والإدارية، وأدى أحيانًا إلى شلل جزئي في تنفيذ المشاريع. تركز هذا الصراع على مواقع النفوذ والتأثير المالي، إذ يعتمد نجاح أي إدارة محلية على قدرتها على تأمين الموارد من الحكومة المركزية وتحقيق التوازن بين مصالح الأحزاب والنخب المحلية.
على المستوى الإداري، تعاني النجف من تحديات متراكمة، منها الضغط السكاني الكبير، وتراجع البنى التحتية، وتأخر المشاريع الإسكانية والاستثمارية، إضافة إلى ضعف الرقابة على الأداء الحكومي، ما جعل المواطنين أكثر حساسية تجاه أي أخطاء أو تباطؤ. ويضيف إلى ذلك أن الإعلام المحلي ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أدوات فاعلة في تشكيل الرأي العام، وغالبًا ما تضخم الخلافات بين المسؤولين، سواء كانت سياسية أو خدمية، ما يزيد من صعوبة الفصل بين الجدل السياسي والعمل الإداري.
هذا السياق يجعل أي سجال بين المحافظين ليس مجرد خلاف شخصي، بل جزءًا من شبكة علاقات سياسية معقدة تؤثر على مسار التنمية المحلية واستقرار المجتمع المدني في النجف.
النجف: اتهامات متبادلة بين المحافظين الحالي والسابق تُشعل سجالًا حول المشاريع والخدمات

نشر في: 31 ديسمبر, 2025: 12:43 ص








