أطرت المواجهات العسكرية بين العراق والولايات المتحدة وجهة نظر صدام حسين عن أميركا.
فكلما كان العراق يقوم بحركة استفزازية خلال سنوات التسعينات، كان البيت الأبيض يرد بالقليل من صواريخ كروز التي لم يكن لها تأثير كبير. كان صدام يعتقد ان الولايات المتحدة ستكتفي باستخدام القوة الجوية بدلا من القوات الأرضية، كما يبدو ان اندحار اميركا في فيتنام و تجربتها في الصومال و صربيا قد اكدا وجهة نظره.
لكل هذه الاسباب فان بغداد لم تكن تعتقد بان ادارة بوش جادة في خوض الحرب عام 2003 .
كان صدام يستهين بالقوة العسكرية للولايات المتحدة و يرى انها أشبه بنمر من ورق، و يعتقد ان اندحار اميركا في فيتنام دلالة على ضعفها، حيث أشار بانها فقدت 58 الف جندي في تلك الحرب بينما فقد العراق 51 الف مقاتل في معركة واحدة هي معركة الفاو خلال الحرب الايرانية – العراقية ؛ و قد فسّر ذلك بان الولايات المتحدة خائفة من تقديم المزيد من الضحايا. يبدو ان تجربة ادارة كلينتون في العراق و صربيا و الصومال قد اثبتت وجهة نظر صدام، ففي حزيران 1993 اطلقت صواريخ كروز على مقر جهاز المخابرات العراقي ردا على محاولة اغتيال الرئيس السابق جورج بوش. و في ت1 1994 ارسلت الولايات المتحدة قواتها الى الخليج العربي لمنع صدام من نشر 64 الف جندي على حدوده مع الكويت احتجاجا على عقوبات الامم المتحدة. في ايلول 1996 شرع الاميركان بعملية ضربة الصحراء التي شملت هجوما آخرا بصواريخ كروز ردا على هجوم عراقي ضد الكرد. اخيرا و في ك1 1998 كانت عملية ثعلب الصحراء بمثابة حملة لمدة اربعة ايام استخدمت فيها الصواريخ و القصف الجوي لمعاقبة بغداد على رفضها التعاون مع مفتشي الاسلحة التابعين للامم المتحدة .
نفس الشيء حصل في صربيا حيث اصر الاميركان على استخدام القوة الجوية فقط لتحقيق اهدافها . اخيرا، وقعت حادثة سقوط الصقر الاسود في الصومال و التي قادت الى الانسحاب الاميركي . اعتقد صدام ان كل ذلك كان يعني خوف الولايات المتحدة من القتال مما دعاه الى الاعتقاد بانها لن تشرع باجتياح جاد للعراق من اجل اسقاط الحكومة لأن ذلك سيكلفها الكثير من الضحايا بالافراد . العراق – برأيه – يمتلك واحدا من اقوى الجيوش في العالم لاستعداده لتحمّل خسائر جسيمة كما حصل في الحرب الايرلنية-العراقية. من جانب آخر، لم تكن الولايات المتحدة قادرة على هذه التكاليف و لذلك فانها لن تفعل شيئا لبغداد.
في 2002 وعندما اتضح للكثيرين بان ادارة بوش قد قررت اجتياح العراق، كان لصدام رأي مختلف، حيث اعتقد بان الاميركان و البريطانيين كانوا خائفين من قوة القوات العراقية. في خطابه لشهر شباط 2003 قال ان العراق لربما يفتقر الى التجهيزات المتطورة التي يمتلكها الجيش الاميركي، الا ان معنوياته و ثقته اقوى و هذا هو المهم في الحروب.
كانت اغلبية القيادة العراقية تعتقد بانه اذا ما حدث شيء فانه لا يتجاوز كونه مثل عملية ثعلب الصحراء؛ سلسلة من الهجمات الجوية او ربما الاستيلاء على جنوب العراق مثلما دخلت الولايات المتحدة الى كردستان بعد حرب الخليج عام 1991 . فمثلا، اخبر رئيس هيئة اركان الحرس الجمهوري المحققين الاميركان بعد الحرب بانه كان يعتقد ان قوات التحالف ستستولي على مدينة البصرة او ربما العمارة و من ثم تغادر.
كان صدام يعتقد ان الجيش العراقي سيلحق خسائر كبيرة بالاميركان و يضطرهم للانسحاب اذا ما وقعت الحرب . كانت تلك الآراء غير مفهومة لكنها تبين الطبيعة الشخصية لواقع الانسان. كانت القيادة العراقية تنظر الى سلسلة من الاحداث في السياسة الخارجية الاميركية كلها تشير الى ان الولايات المتحدة هي قوة عسكرية جبارة تخشى استخدام قواتها الارضية و تعتمد كثيرا على قوتها الجوية بعد حرب فيتنام . عندما جاءت ادارة بوش الجديدة الى السلطة و فرزت العراق مباشرة، لم يعتقد صدام ان شيئا قد تغير ستراتيجيا ، فإدارة كلينتون السابقة كانت لها الكثير من المواجهات مع بغداد لكن لم يحصل شيء خطير. كان العراقيون يعتقدون ان الشيء نفسه سيحدث مع الرئيس الجديد .
الكثير من محللي السياسة الخارجية و السياسيين يعتقدون ان اغلبية الشعب يتصرفون بشكل عقلاني، لكن ما لا يفهمونه هو كيف تختلف الآراء العالمية من فرد لآخر مما يخلق الكثير من الوسائل للتصرف بعقلانية. قبل اجتياح 2003 كان صدام مثالا جيدا لذلك، فقد كان يعمل داخل فقاعة الا انها مبنية جزئيا على تحليله للسياسة الخرجية الاميركية. فاذا كان اسوأ ما فعلته اميركا بعد محاولة العراق اغتيال الرئيس السابق هو ارسال القليل من صواريخ كروز ، فما الذي يمكن ان يخشاه العراق ؟ يبدو ان بغداد كانت تعتقد ان احاديث ادارة بوش الجديدة لن تغير نهج اميركا بتفضيل استخدام القوة الجوية، لذا فليس هناك تهديد حقيقي بالاجتياح.
كانت تلك حسابات خاطئة، لكنها تبين كيف كان صدام و اعوانه ينظرون للولايات المتحدة .
عن : افكار عن العراق