ظلام ،وحفريات ،وغيمة من التراب،وحوادث مرورية متكررة،وخدمات غائبة.هكذا اختصر لي الأصدقاء والأقارب في آخر زيارة لي إلى الحلة أوضاع المدنية الخالية من مورد اقتصادي أو نفطي .
في منزل احد الأصدقاء بالحلة لفتني صوت إحدى بناته وهي تلفظ اسم أحد البرامج الشهيرة على القنوات العربية وهو باللغة الانكليزية بطريقة مضحكة.الفتاة كانت في الثاني المتوسط لكنها لا تستطيع التفريق بين صوت "الاف " و"الفي" بالانكليزية،ولا بين "الاس"و"الزت".يقول والدها ان مدرستهم لا تهتم بتدريسهم بقدر اهتمامها بفرض الحجاب،والمفارقة ان المدرسة المسؤولة عن "حصة الاحتشام" هي نفسها التي تحدث عنها قبل شهر في عمود بالصفحة شباب وجامعات ،وقلت بانها كانت تغري طالباتها باعطائهن خمس درجات زيادة لمن ترتدي العباءة السوادء ولا تكتفي بالحجاب.
معظم طالبات مدارس الحلة يلبسن الحجاب من الابتدائية حتى الاعدادية بنسبة 99 بالمئة ،وفي اغلب الاحيان يجبرن على ارتدائه على الرغم من ان مدارس البنات مفصولة عن الذكور .والجديد هذه المرة ان مدرسة الانكليزي وهي تشبه الكثير من زميلاتها في معظم مدارس الحلة باستخدام اسلوب الاجبار على ارتداء الحجاب أوفت بوعودها وبدأت تكتب بورقة الامتحان الشهري لمن ترتدي العباءة "زائد خمس درجات "وغير الملتزمة بأوامر "الاحتشام " ناقص خمس درجات .
وبعيدا عن "مدرسات العبي " وجدت وخلال جولتي في الحلة معظم شوارع المدنية غير مضاءة ،وبعضها تتصور انك ستتعرض للتسليب حين تمر بها،والمفارقة أني شعرت بهذا الاحساس حين ذهب بصحبة الاصدقاء الى شارع الكورنيش وهو مشهور بكثرة المقاهي والكازينوهات ويقع على شط الحلة من الجانب الكبير من المدينة.
للكورنيش مدخلان الاول من وسط المدينة او عن طريق مايسمى سابقا بالجسر "المطكطك" لأنه كان من الحديد ويصدر اصواتا حين تمر عليه السيارات،و المدخل الاخر اكثر طرافة لانك تمر قرب فندق بابل الدولي ،الذي كان مؤخرا احد المراكز التابعة للقوات الأميركية وحين تركه الأمريكان استلمته وزارة السياحة وأقامت احتفالية بالاستلام ولكنه ما زال مهجورا ومظلما.
الحلة تعيش تحت غيمة من التراب مستمرة منذ خمس سنوات، والسبب شبكة مجاري عملاقة .معظم احياء المدنية من دون شبكة صرف صحي ، وبعد 2003 لم تصادف الحلة محافظا ينتشلها من سوء الخدمات ،وكان اهالي المدينة الاكثر اعتراضا بين محافظات الفرات الاوسط التي تضم النجف والديوانية بالاضافة الى الحلة على اداء المحافظين و سوء ادارتهم للمدينة، ويقول الاهالي ان احد المحافظين السابقين والذي يتهمونه بتزوير شهادته الجامعية كان يرفض وبشدة انشاء شبكة مجاري متذرعا بحجة انه لايريد ان يخسر موازنة المحافظة ببنى تحت الأرض لا يظهر اثرها للعيان!
انتظر اهالي المدنية الحفريات وإغلاق الشوارع لخمس سنوات على امل ان تنتهي المحنة بشبكة مجاري،لكن الأمر لم يتحقق كما اراد الحلاويون فالشركة المسؤولة أخلت بالشروط وتحولت المقاولة بعد كل تلك السنوات الى شركة أخرى واكتشف اهل المدينة أخيرا ان المشروع كان يسير بـ"المعوج".
على الرغم من صغر المدينة وسوء شوارعها الا أن عدد السيارات الحديثة موجودة بكثافة،والحوادث المرورية تجري باستمرار، لاسيما على شارع 60 الرابط بين الحلة والمحافظات الجنوبية، ويرمي اهالي الحلة باللائمة على عدم وجود ضوابط للقيادة ومعظم المراهقين صاروا يقودون السيارات دون حصولهم على رخص قيادة.ويؤكد الأصدقاء في المدينة انه لا يمر يوم دون ان يشاهدوا حادثة مرورية. وقبل ان اكمل كلامي مع الاصدقاء خرجنا باعجوبة من حادث كان قد يؤدي بحياتنا والسبب في صديقي وفي السيارة القادمة من أمامنا.
مدارس البنات...وشط الحلة
[post-views]
نشر في: 15 ديسمبر, 2012: 08:00 م