عبد الخالق عليالقصص القصيرة التي كتبها سيد الهجاء الأميركي بوقت مبكر تكشف عن كاتب يشحذ مهاراته الظاهرة أصلاً . في الخمسينات من القرن العشرين تخلى كورت فونكوت ، و هو في الثلاثينات من عمره ، عن مهنته كرجل دعاية لقسم البحوث في شركة جنرال إلكتريك ، و كرس نفسه للأعمال الحرة . و سرعان ما نشر اولى رواياته " بيانو العازف " (غير ناجحة) و بدأ بكتابة قصص قصيرة لمجلات عائلية .
تم شراء و نشر بعض قصص فونكوت، ثم أعيدت طباعتها على شكل كتاب تحت عنوان " طير الكناري في بيت القطة " و " مرحبا في بيت القرد " . قصص أخرى لم يتم نشرها أبداً لكنها رأت النور بعد موته . ظهرت اول مجموعة بعد موته " العودة الى أرماجدون " في عام 2008 ، و هي تحكي قصصا خيالية و غير خيالية تخص موضوع الحرب و السلام . المجموعة الثانية " انظر الى الطائر الصغير " تحوي قصصا قصيرة لم يتم نشرها منذ الخمسينات ، ظهرت في السنة التالية . و الآن ها هي " بينما ينام البشر " عبارة عن مجلد قريب من " انظر الى الطائر الصغير " مع ست عشرة قصة غير منشورة سابقاً . بغض النظر عن الكنوز العظيمة التي تركها فونكوت بدون نشر ، فقد كرس ، في فترة واحدة من حياته ، وقتاً و جهداً كبيرين لكتابة القصص الخيالية القصيرة .في قصة " جيني " يقع بحار مسافر في حب جنوني مع نتاج بحثه الذي عرضه : ثلاجة تستطيع ان تتحدث و تفكر مثل زوجته الرائعة . في قصة " السوفان " تجتاح الولايات المتحدة عدوى انتحار الناس من اجل مبالغ التأمين على الحياة . اصبحت المهنة الرئيسية للبلاد هي " الموت من اجل الحياة " و هي فكرة خاصة بفونكوت . قصة " قبلات بمئة دولار " تحكي كيف ان اثنين من المدراء التنفيذيين يتشاجران حول مجلات تخص الفتيات و حول نداء هاتفي كاذب . في قصة " راعي عائلة بيرسون " يقود طالب هندسة سيارته برفقة عروسه الى كيبكود ليتولى ادارة شؤون ميراثه . قصة " و يده على الخانق " تصور الأيرل هاريسون ، و هو رجل اعمال ناجح وصانع إمبراطورية بالفطرة ، ينزعج من كونه اقصر قامة من اغلب الرجال ، يتجاهل زوجته الجميلة و يكرس نفسه لمنظومة السكك الحديد الجديدة التي شرع بها في السرداب . تبدأ القصص بسرعة و تستمر بالجري ثم تنتهي بنفس السرعة . انها قصص مكتوبة بمهارة ، و كما يصفها ديف ايكرز في مقدمته ، قصص مصائد فئران ، قصص يمكن قراءتها في جلسة واحدة ويمكن هضمها بسهولة . المكان هو انديانابولس حيث ترعرع فونكوت و أماكن أخرى مختلفة في نيويورك . ظروف القصة و خلفياتها تقع في مكان ما بين " إنها حياة مدهشة " و " رجال مجانين " . نهايات بعض القصص تبدو سريعة و هذا هو السبب في ان فونكوت رفضها و رماها في البداية. إلا ان الانتقال بين العديد منها يمثل التيار الخفي للضياع و الحزن لدرجة اننا نشارك هذا الكاتب الأميركي الذي يعتبر من أكثر الكتاب الاميركان شيطانية و حزنا . في قصة " راث " يكتب فونكوت" أدت الامرأتان التحية لبعضهما بانحناءة في الرأس عند عتبة الشقة . امرأتان ارملتان أحداهما متوسطة العمر و الأخرى اصغر منها سنا . لقاؤهما يؤكد الوحدة التي تشعران بها " . تسافر المرأة الشابة الحامل " راث " لمقابلة أم زوجها الذي توفي حديثا . يتم الترحيب بها بأسلوب مداهن مخادع . تتشاجر الامرأتان حول مستقبل الطفل الذي لم يولد بعد ، و تدرك " راث " بأن ام زوجها "العنيدة" " المرأة الغراب " مريضة و مجنونة . الضياع في قلب القصة ، و ذكرى عن الحرب العالمية الثانية . قصة مثل " راث " تنبئ بمستقبل عظيم لفونكوت . رؤيته للحياة هي رؤية مريرة – إنها حياة غير حصينة ، متزعزعة ، مؤلمة ، و ان القدر يمكن ان يصفعنا بقوة في أية لحظة – يهتم فونكوت بالتحري عن الخطأ و الصواب . في أواخر الخمسينات انطوت فترة المجلات و توقف فونكوت عن كتابة القصص القصيرة و اتجه الى سوق قصص الخيال العلمي الجديدة . في الواقع كان أقرب الى مارك توين و فرانك كابرا منه الى إسحاق آسيموف . يميل النقاد الى اعتبار فونكوت كاتبا ارتجاليا مثل عازف جاز منفرد ، إلا ان هذه الأعمال المبكرة تبين كيف انه استوعب قواعد و اصول المهنة التي هشمها في ما بعد و هو مبتهج . تركز " بينما ينام البشر " على رجل صحافة ، محرر عنيد يتمسك بالحقائق القديمة لأعياد الميلاد في الوسط الغربي . يدعى هذا الشخص (فريد هاكلمان) . يقول الراوي عن هاكلمان " انه يشبه فأر المزرعة من عدة جوانب ، كان وحيدا ، مغتبطا بنفسه ، كسولا ، و سريعا في استخدام مخالبه الحادة" . هذه القصص المتوترة الموجزة تبين لنا جذور مستقبل أدبي عظيم بالفطرة .
كورت فونكوت.. بينما ينام البشر
نشر في: 2 إبريل, 2011: 08:54 م