ابتسام عبد اللهنشرت رواية "قوس قزح" تأليف د.هـ. لورنس في المرحلة الفيكتورية في انكلترا، حيث التزمت الأخلاقي، والمبادئ الصارمة متناقضة مع كل ما سبقها من أعمال أدبية. إذ لم تنشر من قبلها أية رواية تتناول تجربة إنسانية حميمة منسجمة مع الأفكار الجديدة للعصر الحديث. وينطبق هذا القول على رواية جيمس جويس، "يوليسيس"، التي كانت معاصرة لـ"قوس قزح"، والروايات قوبلتا بالرفض من الأوساط النقدية وتعرضتا إلى التشويه الذي نال من سمعة الكاتبين الكبيرين
في ذلك الوقت بشكل عام، وقد منعت الروايتان حال صدورهما بتهمة "الإساءة إلى الأخلاق"، على الرغم من ان الروايتين تتحدثان عن مشاعر الإنسان الصادقة بصراحة وأحاسيسه المختلفة.إن د.هـ .لورنس، ما يزال مثار الخلاف والجدل، وكان فعلاً مختلفاً عن غيره، ومع ذلك فإن مؤلفاته ما تزال تقرأ حتى اليوم، وتثير الجدل، مع ان العالم شهد تغييرات عميقة في المجتمع الذي كان من قبل منغلقاً على أفكار محافظة متزمتة. والإساءة التي لحقت به قبل قرن من الزمن، تبدو وكأنها قد لصقت به. وعندما صدر أمر قضائي عام 1960، برفع قرار المنع على رواية، "الليدي تشاترلي"، بدأ وكأنه يعيد إلى الأذهان تلك التهمة القديمة. والأجيال الجديدة من القراء، عندما يقبلون على قراءة أعمال لورنس ولديهم فكرة قد تشكلت مسبقاً عنه، فكرة غير حقيقية وعن شخصيات أبطال رواياته. فحياته كانت قصيرة(حوالي 48 سنة) وقاسية، عانى فيها الفقر والمرض. وكتابة رواية مثل "قوس قزح"، في ظل تلك المعاناة اليومية والمرض أمر يثير الدهشة والإعجاب.وكتب لورنس في رسالة إلى صديق، في خلال كتابته تلك الرواية،"المر ليس فرداً بذاته"، يعيش حياة مستقلة، المرء نفسه يمثل البشر، وقدره هو قدر البشرية. وما يرويه لورنس عن هجرة أسرة من نوتينغهام شاير، من المنطقة الزراعية، إلى مجتمع صناعي، هجرة رجل من الحقول إلى المدينة حيث حياة جديدة، تعتمد التفكير وآلات المعامل. إن،"قوس قزح"، رواية تصف تحوّل المجتمع الفيكتوري إلى العصر الحديث.ولكن تعبير لورنس ذلك عن الفرد، يتضمن معاني أكبر: أخلاقياً وفنياً. فالروايات الفيكتورية استخدمت الشخصيات رموزاً لحقائق اجتماعية وجغرافية أوسع، إلى الحد الذي تبدو فيه تلك الشخصيات للقارئ المعاصر، غير حقيقية. مزيكينز، إيليون وغاسكيل، على الرغم من الاهتمام بالتغييرات الاجتماعية والمجتمع، وموقع المرأة، فإن هؤلاء الروائيون الكبار لا يمتلكون عاملاً مشتركاً مع لورنس. إذ إن لورنس قال : " الفرد يمثل البشر بأكمله"، أي، كما عبر عن ذلك فرويد،"الأنا"، فلورنس كان يتطلع إلى المستقبل، لا بالنسبة للرواية فقط بل عبر الحداثة الفرويدية.وكانت،" قوس قزح"، عندما فكر فيها لورنس، رواية طويلة بعنوان،" الشقيقات"، ثم تحولت الى روايتين،الثانية هي،"نساء عاشقات"، وكان لورنس، مشغول البال بموضوع المرأة ، واعتبر روايته،"اعمل من اجل المرأة"، وهو أفضل من التصويت لها. إن ما تريده هو الارتياح: جسدياً وروحياً" وتعتبر الروايتان من الأعمال التي تناقش قضية المرأة"، تأسيس علاقات جديدة بين الرجل والمرأة وتحسين الصورة القديمة لها".والقارئ الجديد لأعمال لورنس، سيشعر في الحال بقوة بوحها وكثافة أبطالها وحداثتها. والصفحات الأولى من،"قوس قزح"، تعتبر حتى اليوم، والتجانس ما بين الرجل والحيوان والطبيعة، تأتي في مقدمة ما يرد إلى البال من الأدب الإنكليزي. وهي تعتبر كتابة مستفزة ومحرضة، ولكن التحريض ليس هدف لورنس، بل غايته هو رؤية العالم حراً من العار. إن المرأة، في رأيه، في حاجة إلى شكل جديد من الحياة، أن تتجاوز الشكل التقليدي لها، وتندمج مع عناصر الثقافة والحضارة.وينافس لورنس في بداية" قوس قزح"، هذه الأفكار، في مجتمع ريفي إنكليزي، حيث تبدأ الرواية، مع بناء قناة جديدة لربط منجمي فحم-(أولى المعالم الصناعية الجديدة)، ونجد البطلتين، أورسولا وبرانغوين في النهاية، مع اقتراب القرن العشرين، تفكران بشكل مختلف، ولهما حاجاتهما واحتياجاتهما الطبيعية، تتصاعد أصواتهما بعد صمت طويل للمرأة، معبرتان عن المرأة الجديدة التي كتب عنها لورنس، مختلفتان عن أمهاتهما، فلم تعد المرأة وسيلة للاجناب فقط، وتدرك البطلتان ان الطريق إلى تحريرهما يتطلب الاستقلال الاقتصادي عن الرجل، وعليهما تعليم نفسيهما والعمل، دون الاعتماد على حماية الرجل.وفي رواية،" نساء عاشقات"، يناقش لورنس هذه التساؤلات، عن أوضاع المرأة في العصر الحديث، للمجتمعات العصرية.إن تجربة لورنس مستقاة من حياته: إن الأصالة والحقيقة تواجهان دائماً بالرفض من قبل العامة. لقد خاطب في أعماله الشخصية المستقلة التي تميز الحقيقة، ولذلك السبب كان لورنس كاتباً، ولذلك تبقى قراءة أعماله نوعاً من التغيير، والتخلي عن القديم، وخطوة نحو تبديل أسلوب الحياة.rn عن/ الغارديان
د.هـ .لورنس.. نظرة جديدة إلى " قوس قزح"
نشر في: 2 إبريل, 2011: 09:03 م