حسين علي الحمدانيكيف يمكننا أن ننظر لمستقبل النظام السياسي العربي وهوية الدولة العربية في مرحلة ما بعد سقوط النظم الشمولية ؟ وما هي البدائل المطروحة؟لا يمكننا أن نجزم بأن التغيير قد نجح في مصر وتونس على الأقل ما لم تتحدد ملامح الصورة في الانتخابات القادمة لكلا البلدين ، ومع كل هذا تباينت مواقف الكثير من المثقفين العرب من موجات التغيير التي طالت دولا عربية عديدة ،والبعض منهم أبدى مخاوفه من إمكانية سيطرة (الإسلاميين) على مقاليد السلطة بحكم إنهم يجدون بعض التعاطف داخل مجتمعاتهم، وهذا ما تجلى بوضوح في مصر عبر مساندة الأخوان المسلمين للتعديلات الدستورية والتي أشرت حالة مثلت تصاعدا بيانيا في شعبية الأخوان.
وسمعت البعض يقول بأن ما يجري في المنطقة العربية من سقوط أنظمة يمثل انهيار العلمانية في المنطقة العربية وسيكون بديلها الأحزاب الدينية ، وعلل البعض هذا بتنامي قوة الأخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس والحركات الإسلامية في ليبيا والمغرب ، وجبهة الإنقاذ في الجزائر وغيرها والبعض الآخر وجد في النموذج العراقي ما يجعله يجزم جزما قاطعا بأن بديل الشمولية في مراحلها التالية هي الأحزاب الدينية.وهذا القول فيه من المغالطات في جانب مهم جداً، حيث إن الأنظمة التي سقطت في المنطقة والتي في طريقها للسقوط هي ليست أنظمة علمانية كما يشاع بقدر ما هي دكتاتوريات شخصية قائمة على حكم الفرد ، وعلينا أن لا نفرق بين العلمانية وسياقها الديمقراطي ، فلا علمانية بدون ديمقراطية وهذه حقيقة يجب أن ينتبه إليها من يتناول مسألة العلمانية بعيدا عن النظريات الجاهزة والرؤية التي كانت سائدة في النصف الثاني من القرن العشرين .وهذا ما يجعلنا نفكر جديا ونطرح السؤال الذي يدور في أذهان الكثير من المتابعين هل سنجد نظماً علمانية في المنطقة العربية تكون بديلا للنظم الشمولية ؟ وللإجابة على هذا السؤال علينا أن ننظر لمستقبل البلدان العربية في ضوء التغييرات الجيو سياسية التي حصلت وهل مجتمعاتها قادرة على صناعة وإبراز كاريزما سياسية ذات توجهات علمانية دون أن تجد نفسها مقيدة بنظم انتخابية تحول بينها وبين قيادة المجتمع وبناء ركائز الدولة ؟نظريا وتاريخيا تبدو مصر الأكثر استعدادا لكي تؤهل نفسها أولا وتؤهل العالم العربي من خلالها لكي يتبنى العلمانية بمفهومها المعروف وليست مفاهيمها العربية القاصرة على مبدأ فصل الدين عن الدولة وكأننا نلخص العلمانية على إنها صراع بين الدين والدولة أوكما يقول البعض بأن العلمانية تعتبر الدين تراثاً ،لا فهناك فرق كبير بين ما قيل عن العلمانية وبين ما هو موجود، وحتى مسألة جعل الدين تراثاً، هذه المسألة تبنتها القوى القومية خاصة وإن هنالك تناقضاً فكرياً وأيدلوجياً كبيراً بين الدين والقومية، ولكننا لا نجد هنالك تناقضاً بين الدين والعلمانية ، بل بالعكس نجد بأن الدين له مكانته كمنظم لحياة الإنسان وأحيانا كثيرة يكون قائدا له ، في أوروبا مثلاً نجد الفاتيكان له مكانته التي لا يمكن أن تتدخل بها الحكومات أو تجبره على اتخاذ موقف يتناقض ومبادئ المسيحية أو حتى محاولة تسييس الدين وتسييس رجل الدين ، لأن الدين ليس مؤسسة بقدر ما هو تعاطي روحي بين الإنسان وخالقه،أما في النظم السياسية العربية وأغلبها (قومية) نجد بأن هنالك مأسسة للدين وجعله تابعاً للسلطة وهذا شيء ملموس، وهنالك رجال دين تابعون للدولة يجهزون الفتاوى التي تتناسب ورغبة السلطة، ولا حظنا ذلك في الكثير من الحوادث التاريخية في القرن الماضي لعل أبرزها فتوى الأزهر للسادات بجواز توقيع اتفاقية كامب ديفيد ومباركتها ، وهذه فتاوى سياسية بإطار ديني .لهذا يمكننا القول بأن النظم التي سقطت والأخرى التي ستتهاوى هي نظم استبدادية وليست علمانية، وبالتالي فإن مستقبل الدولة العربية في القرن الحادي والعشرين يتوقف على مدى فعالية القوى العلمانية في أن تكون بديلا ستراتيجياً للشمولية، وأن تنتقل بالدولة العربية الحديثة لمنعطف جديد يجعل منها دولا ذات مكانة وتأثير بعد أن ظلت دولنا العربية عقودا طويلة تتأثر وليست مؤثرة .ورغم مرور أكثر من شهرين على موجة التغيير الذي طالت العديد من النظم إلا إننا لم نجد بعد ثمة هوية تترسخ في الشارع العربي لما هو قادم، وربما هذا نابع من إن حجم المشاكل التي خلفتها النظم المنهارة تجعل البعض يبحث عن حلول سريعة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية دون أن يفكر بهوية الدولة القادمة ، هذه الدولة انهارت ويجب أن يتم بناء دولة جديدة بآليات جديدة بعيدة عن الآليات التي استخدمت في السابق ، لأن الاعتماد على ذات الآليات هو بالتأكيد سيقود لذات النتائج السابقة وكأننا لم نفعل شيئا .لهذا من الضروري جدا بأن تأخذ القوى العلمانية والليبرالية في الوطن العربي دورها في المراحل الانتقالية هذه لكي تكون جزءا مهما من المشهد السياسي في المنطقة وأن تطرح مفاهيمها بقوة وقناعة وتحاول أن تجعل من المرحلة الانتقالية مرحلة تأهيل للمجتمع ليخرج من عقدة الحزب الواحد إلى التعددية بمفهومها وسياقها الحضاري.
الدولة العربية وصناعة الهوية الجديدة
نشر في: 2 إبريل, 2011: 09:08 م