أوس عز الدين عباسيقول نوري السعيد رئيس الوزراء في العهد الملكي إن الأحزاب حرمت الدولة العراقية من الكثير من الكفاءات ، وهو ما جرى في العراق بعد عام ((2003))، إذ تم الاستئثار بالسلطة من قبل الحزبيين ومن أتت بهم طوائفهم دون النظر إلى كفاءاتهم ، إذ أصبح الانتماء إلى هذا الحزب أو تلك الطائفة هو هوية الوصول وبطاقة الفوز بالمنصب،
وهذا يعني إن تقاسم السلطة بين الأحزاب وتوزيع المناصب بين منتسبيها يكون بغض النظر عن كفاءتهم واستحقاقهم، لكن الأمر في عملية التوافق يختلف، إذ لا ينحصر بين أحزاب بل بين مكونات عرقية، وكيفية التوافق بينها في عمليتي تقاسم السلطة والثـروة ، وفي السياق العراقي تم الاستئثار بالسلطة والثروة من قبل فئة وحرمان فئات أخرى من المشاركة السياسية والاقتصادية، ومن هنا جاءت المطالبات بالمشاركة، وما يمكن لهذه المطالبات أن توصل الحالة إلى مظهر من مظاهر الصراع السياسي الذي وصل في بعض الأحيان إلى ممارسة العنف ، كما كان يجري قبل سقوط النظام المباد واستمر بعد سقوطه في ((9 نيسان 2003)) في ظل عملية سياسية تبنت المنهج الديمقراطي في آلياتها السياسية على الرغم من عدم نضوج الواقع الموضوعي والذاتي لهذه الآليات ، فكانت ردود الأفعال تتسم بالانفعال وإثارة الشكوك والريبة ، وكانت المحاصصة الطائفية والتي بُدء بتطبيقها منذ تأسيس مجلس الحكم ، وفي ظل هذه الظروف طرحت الكثير من المفاهيم ، كإلغاء الطائفية المذهبية ، وإلغاء الطائفة السياسية ، والفيدرالية ، الخ ، وهذا الحال يشبه كأنما توصف للمريض جميع الأدوية ، فذلك يعني إن هناك إرباكاً في التشخيص أو إن المريض يعاني جميع الأمراض ، وكان مفهوم الديمقراطية التوافقية من أهم ماتم طرحه لإيجاد منافذ وحلول لحالة الاختناق السياسي ، على اعتبارها تشكل حلاً لحالة العراق وطبيعة تنوعه وتشكيلاته الاجتماعية والدينية ، ولأن المجتمع العراقي يشكل واحداً من مجتمعات التنوع هذا ، فهذا التنوع والتعدد هو الذي لابد من الاعتراف به وتوفير الفضاء لكل مفرداته للمشاركة بجميع أنواعها ، لأن التنوع الهوياتي واقع موضوعي لا يمكن القفز عليه أو تجاهله ، إذ أكدت المدرسة الإنثروبولوجية والتي أسسها (( مالينوفسكي )) على أولوية الروابط الدينية والقرابية ، والتي تتميز بحال من التضامن المكثف والتأثير الفاعل في سلوك الناس وذلك عبر القوة الإكراهية ، وأيضاً للتعمق في التاريخ والتوارث عبر التربية العائلية والتثبيت على المفاهيم الدينية لهم ، وبهذا المعنى فإن تلك الروابط تصبح ثوابت واقعية قائمة بحد ذاتها في التاريخ أو متكونة على مدار التاريخ ، أي إنها تصبح جواهر ثابتة ، وهذا ما حدا بـ (( كليفورد غيرتز)) للحديث عن ((الهوية الأساسية)) للمجموعة ، وبحسب تعريف (( ليبهارت)) للمجتمع التعددي ، فهو ((المجتمع المجزأ بفعل الانقسامات الدينية أو الآيدولوجية أو اللغوية أو الثقافية أو العرقية ، كما إنه المجتمع الذي تنتظم بداخله الأحزاب السياسية ، ومجموعات المصالح ، ووسائل الإعلام والمدارس والجمعيات التطوعية ، على أساس الانقسامات المميزة له))، ويرى بعض الباحثين السياسيين ، إن في دول من هذا النوع ليس هناك من مناص من الديمقراطية التوافقية ، وهي الدول التي تتميز بالتعدد والتنوع العرقي والديني والطائفي ، ويرى (( ليبهارت)) إن من البديهيات المعروفة في عالم السياسة إن التجانس الاجتماعي والاجتماع السياسي يعدان شرطين مسبقين للديمقراطية المستقرة ، وصعوبة تحقيق الحكم الديمقراطي المستقر وصونه في المجتمع التعددي ، لذلك نرى إن وحدة الدول في المجتمعات التعددية تصان بوسائل غير ديمقراطية ، إذ إن المجتمع التعددي هو مجتمع تعيش ضمنه مختلف قطاعات المجتمع جنباً إلى جنب ، ولكن بانفصال داخل الوحدة السياسية الواحدة ، ويقول ((إنطوان مسرة)) ((إن تقدم الديمقراطية التوافقية ، كما تبلور مفهومها منذ عقود هي نموذج بديل عن الديمقراطية التنافسية أو الديمقراطية التمثيلية)) ، وقد صاغ (( ليبهارت)) هذا المفهوم بشكل واضح في كتابه (( الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد )) ، كما إن (( جيراد لامبروخ )) استخدم في بادئ الأمر عبارة ((الديمقراطية النسبية)) ثم عبارة (( الديمقراطية التوافقية )) في حديثه عن النمسا وسويسرا ، بينما حلل ((بورك شتاينر)) ((الاتفاق الرضائي)) بالمقارنة مع قاعدة الأكثرية ، ودرس (( إريك نوردلينجر )) ((احتواء النزاعات في المجتمعات المقسمة )) ، وقد حدد (( ليبهارت )) أربع خصائص للديمقراطية التوافقية ، أولاها تكوين تحالف كبير يضم المكونات الرئيسية للمجتمع التعددي ، وثانيها وجود مبدأ الاعتراض أو (( الفيتو )) وفق نظام يتفق عليه بين الأطراف ، بعدها النسبية سواء على صعيد المقاعد البرلمانية أو أعضاء الحكومة أو الوظائف المهمة في الدولة ، والنقطة الرابعة والأخيرة تتعلق بمدى قدرة كل كون من مكونات الديمقراطية التوافقية على ضبط أمور مكونة وتمثيل هذا المكون بشكل جيد ، وتضمن هذه الديمقراطية لكل مكون الاستقلال في إدارة شؤونه دون تدخل عموم المكونات الأخرى المشتركة في عقدها ، وأيضاً تقاسم السلطة ، وتوزيع النفوذ السياسي ، وتبادل المصالح الاقتصادية ، وغيرها من الممارسات المرتبطة بتحقيق المكاسب السريعة ، إذ تم ابتلاع ال
الديمقراطية التوافقية.. والمجتمع التعددي فـي العراق...
نشر في: 3 إبريل, 2011: 05:34 م