حامد السيد
بعد فوز الرئيس الأميركي أوباما في الانتخابات الأخيرة أعرب رئيس الوزراء نوري المالكي: "عن رغبة العراق بالاستمرار في تطوير علاقات الصداقة بين البلدين في مختلف المجالات، كما آمل أن تعزز هذه المناسبة (فوز أوباما)، منهج الحوار والاعتدال في حل المشاكل الدولية والحزم في مواجهة التطرف والعنف والإرهاب بما يساعد في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم" .
أمام تهنئة بغداد المتواضعة بمفرداتها المحدودة، مسافات ضيقة لتحديد صداقة واعدة مع واشنطن، تلتزم معايير الشراكة لتحقيق إستراتيجية أوباما المتكررة لمستقبل غامض.
وليس من المستبعد أن تكون هزيمة إيران بداية ذلك المستقبل المفقود، حينها سيكون شأن المالكي وليس شأن غيره، الالتزام بعهده وفق ما جاء في برقية التهنئة التي وضعها رسوله على طاولة برقيات التهاني في المكتب البيضاوي.
ويبدو أن المالكي لا يدرك حجم ما تطمح إليه الولايات المتحدة الأمريكية من تلك التهاني، وهم المهتمون دون غيرهم بعهد جديد يقضونه مع زعماء لم يصبهم بعد طوفان الربيع العربي، لقيادة ما تبقى من مشكلات الشرق الأوسط نحو الحل، بعد تمكين شراكة قوية من شأنها نسف ما يهدد أهداف تلك الشراكة، التي ستحدد مصير أمريكا الواعدة مع صديقاتها .
لا ينبغي أن ننسى أنّ على المالكي دَينا سابقا ينتظر أوباما تسديده دون مقابل بعد فوزه بولاية ثانية، ففي زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي لواشنطن (12 ديسمبر– كانون الأول 2011)، قال أوباما للمالكي وجهاً لوجه " سعادة رئيس الوزراء قلتم بأنفسكم إن بناء علاقة طويلة الأمد بين البلدين هي مسألة لا يمكن الاستغناء عنها،وهذه لحظة تاريخية فارقة، فالحرب قد ولت وانتهت وهناك أيام بانتظارنا، ودعونا لا ننسى الأعداد التي لا تحصى من الأمريكيين الذين ضحوا في العراق، إذ هناك أكثر من مليون جندي قد خدموا في العراق و45 ألفاً قد قضوا هناك وعشرات الآلاف من الجرحى ،وكل هذه التضحيات لا بد من تثمينها".
والمصيبة عظيمة إن كان المالكي ينسى ما يدلي به في لقاءاته دون التزاماته، وأعظم تكون حين لا ينسى ذلك وهو المتنصل، حتى يتحمل مؤخرا مسؤولية تحشيد قرارات حكومية ضد شركة (أكسون موبيل) الأمريكية المنتهية من تنقيب نفط كردستان، فهو الزعيم الذي لجأ إلى استخدام حصانته المسيطرة على أركان الدولة وصولا إلى حظر الشركة من استئناف عملها في العراق، ما دفعها مؤخرا إلى التفكير ببيع حصتها الاستثمارية في حقل القرنة العملاق جنوبي البلاد، بعد خذلان بغداد رسميا ذلك "التثمين" الذي لم يكن بحسبان واشنطن أن ينكر جميله من زعيم بدأ حليفا مساندا واستمر حاكما لا يقبل الالتزامات وهو المستبد بشموليته.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تضغط بشدة على الحكومة العراقية من أجل رفع الحظر عن شركة أكسون موبيل النفطية، بحسب إدلاءات الأخبار.
فكل الأنباء تفيد بأن البيت الأبيض بدأ بضغوط متفرقة، وربما تكون احتمالية اللجوء لفضّ اتفاقه مع بغداد بشأن ملف إنتاج طائرات F16 واردة، مالم يتم رفع الحظر كليا عن شركاته الوطنية المعنية باستثمارات عملاقة".
وفيما تصر الحكومة العراقية على عدم رفع الحظر عن الشركة من دون إيجاد ضرورة "وطنية"، تبقى الضرورة الوطنية بلا معايير محددة، فقد يبدو للمالكي أن الالتزام بدفع فواتير من الأموال العائدة من النفط لمن يشاء ضرورة وطنية، بينما يعتبر الشعب بقاء تلك الشركات في حقول أرضه، من دون أي تهديد يصيب أمنه الاقتصادي ليعيش جنبا إلى جنب مع المجتمعات الاقتصادية هي الضرورة التي يجب أن تكون .
ويبقى المالكي يواجه تحديات إقليمية كبيرة، رغم استضافته القمة العربية ثم مؤتمر دعم فلسطين، فالمؤتمرات لا تعني نهاية الجدل مع العراق، فهو ما زال لا يمتلك قرارا يدعمه من الداخل فضلا عن غياب تأثير مواقفه دوليا .
هنا سيجد أوباما مساحته للعب براحة لمواجهة مزاج العقيدة لدى حزب المالكي، وقد يكون دعم الحركات الاحتجاجية الإسلامية "السنية" التي قد تقبل رهان السلام مع إسرائيل، هو الطموح الذي يراه أوباما مشروعا يركل خلفية طهران في المنطقة العربية "بغداد"، حتى تبقى مجاراة إيران الصديقة لبشار الأسد المنهار من الخارج والمضطرب من الداخل دون أمن وغذاء ومودة أوروبية .
فلا خيار أمام المالكي سوى المجازفات، أما مودة أمريكا الصديقة التي لا تقبل القسمة على تمرد الإيرانيين، أو القبول بإيران كقوة تعطي للمذهب أكثر مما تعطي لكيان الدولة .
الخيار الأخير يبدو مرحلياً وموقتاً، فهو غير دائم أمام التأثير الإقليمي، لأنه يجعل مشوار المالكي معزولا ً كصدام، جديده أنه ينفق لمواطنيه سيارة "السايبة" المتهرئة، والرز الصيني غذاءً بينما "الكلاشنكوف" الروسية للدفاع، كل ذلك بلا قيمة من دون انتماء يختزل قيمة بغداد كعضو أممي يطمح لصناعة القرار بقرار مؤثر غير متأثر .