السومرية نيوز/ دهوكيقول شريف الذي كان منشغلا بجمع الثلج ورميه في حفرة بعمق نحو 60 مترا مع مجموعة من أهالي قريته "أروة"، الواقعة وسط الجبال إقليم كردستان العراق، شمال دهوك، علينا المحافظة على عاداتنا وتقاليدنا، فنحن لم نقم بحملة جمع الثلج وخزنه منذ أكثر من ربع قرن بسبب الأوضاع التي مرت بها المنطقة والتطورات التي شهدها المجتمع، وكادت مثل هذه الأعمال والتقاليد تنقرض أو تختفي من الذاكرة، لاسيما لدى جيل الشباب.
ويستدرك إبراهيم محمد شريف، 52 سنة، لـ"السومرية نيوز"، أنا أحاول توثيق نمط حياة قريتنا من خلال تنظيم أنشطة متنوعة، منها جمع الثلج وخزنه، في محاولة لجمع شمل الأهالي بعد أن فرقتهم الحياة، وإحياء العادات والتقاليد، وإنعاش السياحة".وتبعد قرية "أورة"، نحو كليلو متر واحد من الحدود العراقية التركية، وهي تابعة لقضاء العمادية (70 كم شمال دهوك)، وتقع القرية وسط منطقة جبلية وعرة، وتسكنها نحو20 عائلة حالياً.ويستعيد شريف ذاكرته قائلا إن "حملة جمع الثلج وخزنه، لم تكن سهلة، بل كانت مهمة صعبة، ولهذا يمارسها جميع أهالي القرية لتوفيره في فصل الصيف"، موضحا أنهم كانوا "يستعدون لهذا العمل مستعينين بأهالي القرى المجاورة لمعاونتهم في عملية الجمع والخزن، إذ كان هذا المخزن بمثابة الثلاجة للمنطقة، وتعتمد عليه أكثر من خمس قرى خلال فصل الصيف".نستعيد تقاليدناويؤكد شريف أن "المشاركة الجماعية في مختلف الأعمال كانت دائماً ركيزة أساس في حياة القرية"، ويبين أن أهالي المنطقة "لم يعودوا بحاجة لجمع الثلج هذه الأيام، لأنهم جميعاً يمتلكون أجهزة التبريد الحديثة، بيد أنهم يسعون من خلال هذه الممارسة لإحياء تقاليد لها دلالات اجتماعية وتراثية".وتعد حملة جمع الثلج وخزنه، أحد الأعمال الجماعية التي كان يمارسها أهالي قرية "أورة"، منذ مئات السنين، لتوفير الثلج خلال فصل الصيف، وتبدأ الحملة في أوائل شهر نيسان من كل عام، ويشارك فيها أهالي القرية كافة، إذ يتم خلال الحملة، جمع الثلج المكدس، الذي يسقط في فصل الشتاء على تلك المنطقة، ومن ثم يتم خزنه في حفرة كبيرة، يتراوح عمقها ما بين60 ــ 70 متراً، وقطرها نحو خمسة أمتار، إلى أن تمتلئ الحفرة بالثلج، ومن ثم يتم تغطيتها بأغصان الأشجار بصورة محكمة، لحمايتها من الحرارة والذوبان في فصل الصيف، وتستمر هذه الحملة عدة أيام، وتتخللها الألعاب والدبكات الشعبية.ويوضح شريف، أن "التطورات التكنولوجية، والتغييرات الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن أن العمليات العسكرية التي نفذتها قوات رئيس النظام السابق، لاستهداف قرى المنطقة، أثرت بنحو ملحوظ على جوانب الحياة المختلفة في هذه القرى"، مؤكدا أن ذلك الأمر أدى أيضا إلى اختفاء الكثير من العادات والتقاليد والأعمال التي كان القرويون يمارسونها".ويتابع أن أحد أهداف معاودة القيام بمثل تلك الأعمال يشكل "محاولة تطوعية لتوثيق الحياة الاجتماعية والاقتصادية لأهالي القرية، وجذب المواطنين إلى المنطقة للاستمتاع بأجوائها ومناظرها الطبيعية الخلابة خلال فصلي الربيع والصيف".وتشهد المناطق الجبلية المحاذية للحدود التركية، التابعة لمحافظة دهوك، في العادة، تساقط ثلوج كثيفة، تسجل عدة أمتار خلال فصل الشتاء، إلا أن مصادر دائرة الأنواء الجوية في المحافظة، 460 كم شمال بغداد، أفادت أن تساقط الثلوج خلال الموسم الشتوي الماضي، شهد تراجعاً ملحوظاً مقارنة بالعام الماضي، إذ تجمعت الثلوج في السنوات الماضية بكثافة نحو 80 سنتمتراً، في حين لم يتجاوز مستوى الكثافة العام الحالي، الـ 15 - 20 سنتيمتراً، في المناطق الجبلية، وتعزو المصادر هذا التراجع إلى الجفاف وقلة الأمطار التي شهدتها المنطقة خلال الأعوام الأخيرة.مهرجانات سنويةمن جانبه يقول فوزي أوري (54 سنة)، الذي شارك في حملة جمع الثلج وخزنه، لـ"السومرية نيوز"، إن الأهالي "كانوا سابقاً يواجهون صعوبات جمة مقارنة مع نمط حياتهم الحالية"، ويشرح أنهم كانوا "يعملون طوال فصول السنة، بالزراعة وجمع القوت وتربية المواشي، ليتمكنوا من مواصلة العيش في ظل ظروف طبيعية قاسية".ويواصل "إلاّ أن معظم تلك الصعوبات اختفت بفضل التطور العلمي والتقني، وتبدل نمط الحياة والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية"، ويستدرك "لكن في الوقت نفسه، لا بد من عدم نسيان الأيام الشاقة الماضية، للمقارنة وإدراك قيمة الحياة الحالية"، بحسب رأيه.ويضيف أوري: أن إقامة الأنشطة الاجتماعية التقليدية "ضروري لأهالي القرى، لأنها تسهم في توطيد علاقاتهم لاسيما أن العديد منهم هجروا مناطقهم بسبب الأوضاع التي مرت بها"، ويدعو في الوقت نفسه، الجهات المعنية إلى ضرورة "إقامة مهرجانات سنوية لكل منطقة للتعريف بخصائصها ومميزاتها على الصعد كافة، بما يؤدي إلى إنعاش السياحة أيضاً". ويطالب أوري، حكومة إقليم كردستان العراق، بـ"إبداء اهتمام أكبر بالقرى، وتوفير الخدمات والمشاريع الإنتاجية والسياحية فيها، ليتمكن الأهالي من مواصلة حياتهم فيها"، ويشير إلى أن العديد من أهالي القرى المحيطة بأورة "هاجروا إلى المدن خلال السنوات الماضية، بسبب عدم توف
قرية بدهوك تحتفل بإخفاء ثلوجها في حفرة بعمق 60 متراً وسط الدبكات الشعبية
نشر في: 4 إبريل, 2011: 06:41 م