حسين السلمانكثيرا ما تستوقفنا في العملية الإبداعية للسينما التحولات التي تطرأ على النص الأدبي عندما يدخل ضمن تفاعلات السرد الصوري ومتطلباته التي تحتاج الى دقة متناهية في التعامل معه باعتباره حالة انبعاث جديدة تتخذ من ذاتها مسارات خاصة قد تتقاطع او تتخذ منحنى آخر نحو اتجاهات وطرق مغايرة عما عليه في النص الأدبي
( سواء جاء هذا النص للسينما مباشرة ام انه جاء من الشعر او المسرحية او الرواية )، وهذا ما نطلق عليه مصطلح الاعداد او الاقتباس ، وهو ليس بجديد على السينما لان غريفت في اوائل القرن الماضي اقتبس من ديكنز كما هو الحال عند ايزنشتاين الذي بنظريته المونتاجية استفاد من تكنيك السرد الروائي من ديكنز ايضا، مثلما فعل العديد من كبار السينما باعتماد أفلامهم على كتاب كبار مثل موباسان، نوريس، همنغواي، دستوفسكي، بلزاك، ستندال، تولستوي وصولا الى آلان روب غرييه ، توماس مان وغيرهم . هنا أشير الى ما كتبه المخرج والنظر السينمائي الكبير (جون هوارد لوسون)ليس ضروريا تقديم مقارنة مثيرة بين الأعداد السينمائي والرواية. فالنقطة الأساس هي ان كليهما من أعمال الفن منفصل احدهما عن الآخر ،لكل منهما وعيه المتميز ووجهة نظره..لا يمكن لإحساس الرواية بالماضي وبالمشاعر وبالتذكر وبانفعالها الذاتي وقوتها الوصفية والتحليلية ،لا يمكن ان تتحول موضوعيا الى السينما كلمة مقابل كلمة ، مشهدا مقابل مشهد،وبالطريقة التي يترجم بها كتاب ما الى لغة أخرى)، ومن جانبنا نرى ان الفرق بين نمطي التعبير قد تم إدراكه، إذن يصبح ممكنا تحليل الإسهام الكبير الذي يمكن ان يقدمه احد هذين الفنين الى الآخر، ان قيم المسرح والرواية توحي بقيم مماثلة يمكن تحقيقها بلغة سينمائية ، لان مشكلة السينما اليوم هي أساساً مشكلة مواجهة المحاكاة العقيمة للاشكال الاخرى ، لكي تستطيع السينما ان تصبح اداة اكثر قوة وحساسية . فإبسن يرى ان الكلمات هي المفتاح لصراع الإرادة ، في حين يرى انطونيوني ان الكلمات محاولة محبطة للتخفيف من اسى القلب . هذا يثير جدلا بين انفعال الكلام وبلاغة الحركة البصرية التي يمكنها ان تتقاطع مع الكلمات.التجربة المطروحة الآن هي الأولى من نوعها التي تناقش المفاهيم الاحترافية التطبيقية السينمائية وتحولاتها من الفكرة مروراً بالمعالجة والسيناريو الأدبي الى الدوكوباج الذي نطلق عليه تسميات عديدة مثل: السيناريو الإخراجي او التنفيذي وجميعها تعني الجهد الإبداعي الذي يقدمه المخرج لصياغة السيناريو بسرد صوري معتمدا على جملة من الوحدات البنائية التي تدخل في تركيبة النص الإخراجي، وهي انعطافات كثيرة جداً، ويبقى التفكير بها شيئا ضروريا من اجل خلق تحولات تقود الى عوالم تنعطف هي الأخرى لتكشف عن ارض جديدة تدعونا للحفر فيها بحثا عما هو مجهول، وهذا هو السر الكبير للسينما، حيث تجعلنا نمضي من مجهول الى مجهول كي نتحرر وندخل عالم التغير الذي يجب ان يرافقنا دائما.rnمنذ درست السينما كطالب كنت ابحث عن كتاب تطبيقي عن الإخراج السينمائي، كيف يتفاعل مع النص،ما هي المتغيرات، كيف يصنعون الإيجارات ، الاستعارات، الرموز..وظلت عملية البحث تنمو مع نمو العقل والتجربة ، لذا قررت صناعة هكذا كتاب بعد ما يقارب اربعين سنة لأطبقها بشكل حرفي على فيلم أقوم حالياً بكتابته وإخراجه إلى وزارة الثقافة بعنوان بدأ بـ(تأويلات) ليتحول طبقا لاستقراءات سينمائية الى(ليلة حب).لقد كانت فكرة الفيلم مندرجة ضمن سياقات الفهم العام ، فهي تستند الى هدف عام وهو ان الاستبداد والقمع أداة تدميرية للوعي الإنساني. هذه فكرة عامة تحتاج الى توضيح مدارات معينة لتحديد منطلقاتها، لذا بدأ البحث أولاً عن خاصية محددة واضحة، فأوجدنا تغيراً في الكلمات الأخيرة فتحولت الى تدمير الوعي الإبداعي ، التغير هذا يقودنا الى تركيبة جديدة لبنائية القصة ، فالكلمات هنا أدبية علينا ان نصهرها بقالب قصصي اولا ، وهذا يتطلب مهمات إضافية منها: خلق أسلوب، شخصيات وأماكن إضافة إلى ما متعارف عليه في الكتابة الأدبية من حدث وعقدة وحبكة وصراع وغيرها.rnالكلمة هنا في النص الادبي سيدة الموقف، فهي تقرر وهي تفرض ما يلائمها.. الآن بدأ الصراع ما بين الادب والسينما . لنأخذ هذا المثال/ جاء في النص الادبي(باب تئز بانتظار من يرفع صدأ السنين عنها) لتحويل هكذا عبارة الى صورة شيء مستحيل ، لذا لجأنا الى خلق مشهد قادر على إعطاء ذات الفكرة وضمن سياقات الفعل وذات الشخصيات لتقول البطلة زهور لحبيبها الغائب (سعيد شباجك زنجر). هنا تظهر عدة دلالات منها: ثقل البعد المكاني ، المكان هنا ذات بعد فكري، وهناك دعوة للتغير كذلك رفض الحال القائم الذي تعيشه الشخصية التي عبرنا عنها في النص الأدبي(من يرفع صدأ السنين عنها) هذا مثال من عشرات الامثلة.rnالذي استوقفني كثيراً هو السؤال الجمالي المتعلق بالشكل الذي يحتوي هذا الفكر. إنه السؤال الكبير الذي يعيشه المؤلف ما قبل الكتابة ، لأنني مقتنع بقدر تجربتي المتواضعة ان كل النتاج الأدبي يتمظهر في مرحلة ما قبل الكتابة، فهناك في هذا الزمن الممتد ما بين احتدام الفكرة في العقل الى اندلاع شرارة الكتابة هو الزمن الذي تتجلى فيه إبداعات الكاتب .بين كتل تلك الحركات
تحولات السرد الصوري
نشر في: 6 إبريل, 2011: 06:52 م