أ.د. حسين أمين الحضارات الإنسانية ليست ملكا لأمة بعينها من الأمم، ولا هي وقف على جماعة من الناس ولا تفردت بها عقليا خصت لها، ولكنها صرح هائل قد أسهمت فيه كل أمة بنصيب.والحضارات الإنسانية سلسلة محكمة الترابط متينة الحلقات، يؤثر السابق منها في اللاحق، ويتأثر الحاضر منها بالماضي ويستمد المستقبل ما يجيء به الحاضر .
وقد تتشابه الحضارات الإنسانية في مظاهرها، وفي عناصر تكوينها وفي أسلوبها لا سيما إذا تعايشت في جهات متقاربة وأن كانت المقومات تختلف من حضارة مع حضارات أخرى.rnويمتاز الإسلام بأنه دين الحضارة الإنسانية بمعنى أنه كان منذ إشراقه دين عبادة ودين معاملة وانه أنشأ لونا من الحضارة عرف اسمه وهو "الحضارة الإسلامية" والحضارة الإسلامية حضارة إنسانية بكل ما في هذا المفهوم من معنى وأصالة، وذلك كانت الحضارة الإسلامية تمقت المتعصب ولا تقبله، وتنهى عن الإقليمية ولا ترغب فيها، وتحذر من الاتكالية، ومفهوم كلمة الحضارة مفهوم عربي أمدتنا به اللغة العربية، وقد تطور مع الزمن لا سيما في تاريخ الحياة الإسلامية حتى أصبح هذا المفهوم يعنى كل عمل أو نتاج تتمثل فيه الخصائص الإنسانية الفكرية والوجدانية والسلوكية.وبعبارة أخرى هو الحصيلة الشاملة للمدنية والثقافة ومجموع الحياة كلها في صورها وأنماطها المادية والمعنوية.ولئن كان الدين الإسلامي قد امتاز بأنه مؤسس الحضارة الإسلامية من حيث الاهتمام بحرية الفكر، وإعزاز حرية وحقوق الإنسان، وتشجيع العلم والدعوة إلى المساواة بين الناس في ظل أخاء شامل، واعتزاز بالمثل العليا، والقيم الأخلاقية السامية، فأن واقع الأمر يبين أن الحضارة الإسلامية استمدت مقوماتها من الإسلام ذاته لأن الإسلام إطار للإنسان الحي والمجتمع القوي، للإنسان صاحب الإرادة والعزم، وللمجتمع العطوف المتواد.وإذا كان ظهور الإسلام قد سبقته في الجزيرة العربية وما جاورها من بلاد وأمم حضارات أقدم منه، كما سبقته في البلاد والمجتمعات التي انتشرت فيها ألوان من الحضارات القديمة ذات الطابع المحلي أو الإقليمي فإن الإسلام استطاع ان يضفي على المجتمعات التي انتشر فيها لونا مشتركا من الحياة والمعاملات والعلاقات الإنسانية والاجتماعية، واستطاع الإسلام أن يحتوي على فكرة الحضارة على: امتداد زماني في الفكر الديني يعرض لقضية البشرية كلها من نشأتها إلى غايتها في دقة وعمق ووضوح، وعلى شمول موضوعي يغطي مجالات الحياة جميعا اقتصادية واجتماعية وتربوية وفكرية وأحداثاً تاريخية، وعلى اتساع يضم الأديان السماوية كلها ويصحح المفاهيم حولها والمسلم بنص القرآن الكريم مطالب بتصديق الأنبياء، والرسل كلهم، وعلى شمول للدعوة الإسلامية وأنها لا تقتصر على النطاق العالمي، وبالتالي تمكن الإسلام الحنيف من أن ينشر الطابع الحضاري الخاص به كعقيدة، وكنمط للحياة الاجتماعية في نظمها المادية والروحية والنفسية.ولهذا أصبح الدين الإسلامي مقوما أساسيا من مقومات الحضارة الإنسانية، ومن هنا انطوى التفاعل الحضاري الإسلامي مع ألوان الحضارات الأخرى التي التقى بها، على قوة وعطاء غلبت كل التحديات التي تواجه الإنسانية بانتشار الطابع الحضاري الإنساني في فعالية لم يعرف التاريخ لها مثيلاً. ومما يذكر أن قوة انتشار الإسلام وترسيخ معالم حضاراته الإنسانية قد تضاعفت بفعل مقومات أخرى منها: تنوع السلالات التي دخلت في الإسلام ومنها البيئة بعوالمها المحلية ومواقعها الجغرافية. ومنها العنصر البشري والتكوين السكاني، يضاف إلى كل هذه ظاهرة أخرى ترتبت على كل هذه الأمور وهي ظاهرة الاتصال والاستمرار الزمني في الحضارة. إن الحضارة الإسلامية تتميز بأن كل مقوماتها الجوهرية تنبع من رسالة الإسلام التي جاءت لإنقاذ البشرية من وهدة الضياع والنسيان ورسالة الإسلام تمد الحضارة بالتوجيه والموازنة بين مطالب الروح ومطالب الدين.وبالرؤية العقلية والعملية نلاحظ أن رسالة الإسلام وصلت بين قديم الحضارات وجديدها، بما حفظت من تراث الأقدمين، وبما أضافت إليه من إنسانية الحضارة في جوهرها وصميمها وقيمها وتصورها وأهدافها لتعبر عن القيم الرفيعة وتصور تقدم الإنسان في مستوى الإنسانية، وكان العلماء المسلمون في المملكة الإسلامية لا يعرفون الجنسيات ولا الحدود ولا الأواصر اللغوية ولا التاريخية، فقد يولد الواحد منهم في بلد وربما يتعلم في بلد آخر وقد ينشر العالم في بلد ثالث، ويدفن في بلد رابع.ويعبر عن هذا الكاتب الإسلامي أحمد أمين في كتابه ظهر الإسلام فيقول "ترى العالم في المشرق فإذا هو في الأندلس وفيما هو في الأندلس إذ هو في العراق وفيما هو في العراق إذ هو بمصر أو الشام، لا يعوقهم فقر ولا يفت في عزمهم صعوبة الطريق وأخطاره". سواء عليهم الصحراء، وحرها والبحار وأمواجها، إذ تغلغل في نفوسهم اعتقاد أن طلب العلم جهاد، فمن مات في سبيله مات شهيدا هذا إلى أن العلم عند كثير منهم أصبح مقصدا لا وسيلة يقصد لذاته سواء أنتج فقرا أو غنى وحياة أو موتا. ومن حق الباحثين أن يعرفوا بالحضارة الإسلامية وإسهامها في الفكر الإنساني ومن حق العلماء أن يحذروا من الإقليمية والشعوبية والعصبية فأن هذه أمور تشكل أزمة نفسية وخطيرة تقف حجر عثرة أمام تقدم الحضارة الإسلامية.و
الإسلام ودوره فـي بناء الحضارة الإسلامية
نشر في: 8 إبريل, 2011: 05:28 م