TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الانتقال العربي الجديد للدولة المدنية

الانتقال العربي الجديد للدولة المدنية

نشر في: 10 إبريل, 2011: 05:35 م

حسين علي الحمداني المجتمع العربي بصورة عامة يعيش الآن حالة انتقالية كبيرة جدا في تاريخه من شأنها أن تكون منعطفا كبيرا في مسارات تاريخ شعوب المنطقة التي عانت في العقود الماضية من مصادرة حقيقية للحريات عبر فرض قوانين الطوارئ حينا وقوانين مكافحة الإرهاب حينا آخر وهذا ما دفع هذه المجتمعات لأن تتحرك بوتيرة واحدة وتوقيت تأريخي واحد طالبة الحرية .
 لذلك فإن هنالك أسئلة كثيرة تطرح نفسها مع تقادم الأحداث في المنطقة العربية ، وواحد من أهم الأسئلة التي تتبادر إلى الأذهان ، هل ستفرز الثورات والانتفاضات العربية هوية جديدة للمجتمع المدني العربي؟ وكيف يمكننا أن نتصور هذه الهوية في منظومة ما بعد الشمولية ؟التغييرات الكبيرة التي حصلت في المنطقة العربية في جزء مهم منها إنها ثورات اجتماعية على واقع فاسد بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان وصفات ، وبالتالي فإن من المسلم به بأن أحد أهم  نتائج هذه الثورات يتمثل بولادة مجتمع مدني جديد غير مرتبط بالنظم الشمولية كما كان سائدا في الحقب الماضية من جهة، ومن جهة ثانية ولادة قوانين وأنظمة جديدة من شأنها أن ترتقي بالمجتمع المدني نحو الأفضل وبالتالي ولادة ثقافة جديدة تأخذ أبعادها من ثقافة المجتمع ذاته وليس ثقافة الحزب الحاكم أو العائلة الحاكمة  .وعندما نقول هذا فإننا ننطلق من بديهية واضحة جدا قائمة على إن الثورات العربية المعاصرة والتي حدثت وتحدث الآن هي ليست من صنع أحزاب المعارضة أو العسكر بقدر ما هي نتيجة تحرك شعبي واسع اتفقت شرائح المجتمع على القيام به بعيدا عن أية أيدلوجية أو مرجعية فكرية أو دينية، وبالتالي فإنها مثلت بالفعل مجمل فعاليات المجتمع المدني العربي حتى وإن كان بشكل عفوي غير منظم في مراحله الأولى .وقد يقول البعض بأن غياب القيادة الموحدة للثورات والانتفاضات العربية يجعل الصورة قاتمة أمام الرأي العام العالمي وهذا ما تجلى بوضوح في الحالة الليبية التي ظلت أمريكا تبحث عن أيدلوجية الثوار، وهذا خطأ كبير جدا ترتكبه أمريكا والغرب معا لأنها بتصوراتها هذه أفرغت الثوار الليبيين من خاصية المواطنة الليبية وراحت تبحث في التفرعات الثانوية والتي هي بالتأكيد لا ترتقي لمستوى المواطنة الحقة، وبالتالي كأنها تسعى عبر هذه التصورات لمحاولة إيجاد هويات فرعية ثانوية تنفذ من خلالها للمجتمع الليبي بغية تركيبته وفق تصوراتها هي ، وهذا ما حدث في الشأن العراقي الذي نظرت إليه أمريكا من هويات فرعية أضرت بشكل أو بآخر بمدنية المجتمع العراقي وأبعدت مفهوم المواطنة عن مساراته الحقيقية وغلبت الفئوية والطائفية على ما سواها من العناوين الكبيرة وقادت البلد للتخندق وفق العناوين الفرعية بل التوحد تحت مفهوم المواطنة بمعناها الحقيقي والواسع.نجد اليوم ومن خلال قراءة متأنية لمسيرة الأحداث في بلدين عربيين مثل مصر وتونس ، بعد أن تجاوزا مرحلة الثورة ودخلا مرحلة التعددية والديمقراطية ، نجد بأن هنالك حالة تشبه إلى حد كبير استنساخ التجربة العراقية في بناء المجتمع المدني سواء التونسي أو المصري وفق نظرية الإقصاء والتهميش وما يمكن أن تنتج عنهما من آثار سلبية كبيرة وعميقة ، مع محاولة لإبراز تيارات معينة ستكون هي الأقوى في المرحلة القادمة ، ولعلنا جميعا تابعنا الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر والذي كشف عن الهوية القادمة لمصر بشكل أو بآخر ، هذه الهوية التي لا تتعدى الأحزاب الإسلامية وتياراتها مع تغييب محتمل للقوى العلمانية والليبرالية وحتى القومية منها ، والحال ينطبق أيضا على تونس التي بلغ عدد الأحزاب المؤمل اشتراكها في الانتخابات القادمة نهاية تموز 2011 بحدود 102 حزب متوزعة ما بين إسلامية وعلمانية وعروبية قومية ، وبالتأكد فإن البعض ينظر على إن هذا التنوع يصب في صالح الديمقراطية ، والبعض الآخر يجد بأن مصر وتونس تتجهان نحو دخول النفق المظلم من خلال التعددية القائمة على المناطقية والفئوية،  وقد تكون طائفية خاصة في مصر وربما في تونس بشكل أكبر بحكم وجود قوى إسلامية تعرضت للقمع في فترة حكم بن علي وما قبله، وبالتالي فإن هذه القوى تجد في نفسها بأنها الأكثر استحقاقا في الحكم من غيرها على غرار التجربة العراقية التي هيمنت على مشهدها العام القوى الإسلامية سواء السنية منها أو الشيعية، مما أدى لغياب القوى الليبرالية والعلمانية ليس على السلطة التنفيذية فقط بل حتى السلطة التشريعية التي هي الأخرى تم احتكارها وفق أسس طائفية وان بدت ظاهريا غير ذلك . ومع هذا نجد بأن الانتخابات القادمة التي حددت في سبتمر/ أيلول لمصر و24 يوليو/تموز في تونس ستكشفان مدى قدرة الشعبين على بناء مجتمع مدني ديمقراطي قائم على أساس المواطنة وليست العناوين الفرعية الثانوية الضيقة، وهذا بالتأكيد يتوقف على مدى وعي الشعب وهو يصوت ورؤيته لمفهوم الديمقراطية وتقديره لقيمة صوت الناخب وتأثيرات ذلك على هوية المجتمع المدني الجديد الذي يفترض أن يفرز قوى سياسية من شأنها أن تصنع هوية المجتمع المدني بعيدا عن الهويات الفرعية التي بدأت للأسف الشديد تظهر في المجتمعين المصري والتونسي في محاولة على ما يبدو لاستنساخ التجربة العراقية .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram