TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الجمهور على حق

الجمهور على حق

نشر في: 15 ديسمبر, 2012: 08:00 م

ليس دائما بالطبع، وليس، خصوصا، في القضايا المصيرية، لأن هذه الأخيرة تحتاج في العادة الى تجارب وآلام فوق العادة، وأحيانا الى مصادفات سعيدة فوق العادة. لكن في برنامج (الصوت) الذي قدمته MBC1، كان الجمهور بالفعل على حق.

في الحلقة الأخيرة من البرنامج اقتصر السباق على أربعة أصوات. وفي الحقيقة الى اثنين، كانا الأكثر تميزا بين الأربعة، مراد بريقي وفريد غنام. وكنت اتساءل أيهما سيختار جمهور المصوتين. والحق كان سيكون معهم اذا اختاروا أيا منهما. ولكن الأحق بالإختيار كان مراد. وصوَّت الجمهور له، فكان على حق. فمراد هو "الصوت". أما فريد، أو فراولة كما تدلعه خفيفة الظل شيرين، فقد كان المحبوب الذي لا يشبه أحدا.

ان الصوت الحق هو ما يشعرك بأنه فوق الموسيقى، يأخذك، وينفرد بك، وحده، مهما كانت أصوات الآلات الموسيقية من حوله جميلة ورائعة، فكل شيء من حوله يبدو ثانويا، وهو الأساسي، هو الجوهر. الجوهر الذي عندما يصل الذروة، يصير المثل الأعلى الذي تحاول الموسيقى بلوغه. ان الصوت هو الطبيعة. والموسيقى هي الفن. الصوت هو التحدي. والموسيقى هي الاستجابة.

مع مراد لا تستطيع حاسة أخرى غير حاسة السمع أن تعمل. الأذن وحدها تشتغل. والأذن وحدها العالم. وحين تنتهي منه تشعر بأنك عائد للتو من رحلة رائعة مع "الصوت". رحلة أعادت السحر الى العالم، والأمل الى الأرض، و"القلب" الى الحياة. فكم يعطي الصوت الى الناس، وكم تضيف الموسيقى الى البشر؟ بهما يتخفف الناس من قوانين الجاذبية الصارمة الحاكمة، ويفرحون، ويتحررون، ويطيرون. وهذه لحظات تملأ الناس، فيحسون جمالها، ويتأثرون، ولا يخطئون. ولكم يسعدك الشعور بأنك واحد من جمهور لا يخطىء. فالناس تحب الوحدة. تحب الموهبة التي تصنع الوحدة.

وكان مراد هذا النوع من الموهبة.

أما "فراولة" فلم يكن الصوت وحده. كان الصوت والحركة الرشيقة والرقصة الساحرة والفرادة اللافتة والدم اللاعب والحضور الشامل. الأذن والعين يشتغلان بنفس الدرجة، بنفس القوة. انه "كيان" مُحرِّك ومبهج ومؤنس الى اقصى حد. لدينا في العربية تعبير يقول:" إن تراب قعرها لمُنتَهَب"، يُضرب للشخص الذي تسر الناس برؤيته. وأصله ان العرب كانوا يفرحون اذا اكتشفوا وجود مياه عذبة في الأرض، فيحفرون بئرا فيها. فريد كذلك الكشف النادر في الصحراء. ان تراب قعره لمنتهب، لأن الله خصه بدم لا يجارى في خفته.

ترى من كان يلوم الجمهور على اختياره؟

مع ذلك، ورغم مواهب فريد العديدة التي تحرِّك الحديد، فقد فضّل الجمهور عليه مراد، الصوت الطربي الأصيل الطالع من عمارة الغناء العربي التقليدي. والملفت ان ثلاثة من المتسابقين الأربعة الذين بقوا، من أصل عشرات الأصوات، حتى الجولة الأخيرة كانوا طربيين، يسرى ومراد والصبي العراقي البديع قصي. أما فريد فكان الخلطة السحرية بين الأغنية والرقصة.

من قال ان "موسيقى الأقدام" هي المتحكمة في أذواق الأجيال العربية الشابة؟ أليست هذه الشريحة هي أغلبية المنتخِبين من بين المائة مليون الذين شاهدوا البرنامج؟ وهذا العدد الهائل من المشاهدين ألا يشير الى نوع من الصحة الثقافية السائدة؟ ألا يصح أن نسأل: لماذا نحن علمانيون في انتخابات الغناء وإسلاميون في انتخابات السياسة؟ هل يصح القول أن العرب اصحاء في الأغنية معتلون في السياسة؟ أم أننا منقسمون ولسنا مزدوجين؟ وأخيرا، وبالطبع ليس آخرا، هل يصح اعتبار الحس السليم مقدمة العقل السليم؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram