الكتاب – نلود ليفي شتراوس تأليف: باتريك ويلكمان ترجمة:هاجر العاني كان المطر ينهمر ، وكانت تربة وادي زامبيزي القاسية الحمراء قد تحولت إلى وحل ، ومن كل صوب من حولي كان الناس يهرعون نحو حقولهم منتهزين فرصة هذا الطوفان لحفر خنادق بمعازقهم لتهيئتها لأجل بذار محصول الموسم المقبل، وفجأةً فهمت كل شيء كان قد حيرني بشأن أسطورة أصل هؤلاء الناس الذين كنت بينهم – كطالب في علم الإنسانيات – أقوم بعمل ميداني طوال السنة السابقة .
وقيل ان "الرجل الأول" الخرافي قد تحدر من الجنوب من حيث كانت سـُـحـُـب مطر ذلك اليوم تنطلق أيضاً . كان إسمه ماتوتا والذي يعني "المخضل"، والتناقض الذي توجب علي شرحه كان ما يلي : عندما يجيب السكان المحليون عن سؤال "مـَـنْ يأتي بالمطر؟" فـإنهم يقولون دائماً انه تحت سيطرة أرواح الأسلاف من الناس الذين عاشوا في هذه المقاطعة قبل وصول ماتوتا، سلفهم، إليها وفتحه لها ، ومع ذلك وفي الوقت عينه انها لحقيقة لا اختلاف عليها ان "ماتوتا يأتي بالمطر". إذا لم تثيرك هذه المفارقة فـإن سيرة باتريك ويلكن عن كلود ليفي-شتراوس – الأولى من نوعها باللغة الانكليزية –هي على الأرجح ليست لك ، ولكن بالنسبة لي ولآلاف طلاب علم الأجناس البشرية الاجتماعي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي كانت شتراوس وليفي وكلود هي أكثر الكلمات إثمالاً بأية لغة . وهذا على الرغم من حقيقة ان القليل منا – اراهن على ذلك – قرأ كتبه فعلاً ، لقد اندفعنا على طول المقدمات وربما فصل او فصلين في مطلع الكتاب الا ان أعماله الكبرى – (الأساطير بأربعة مجلدات) و(البنى العناصرية للقرابة) – ليست لمخلوعي الفؤاد . ومع ذلك كان يخبرنا شيئاً هاماً وهو أن كل المجتمعات تتصف بمثل تعقيد مجتمعنا وتكلفه وتقيده بالأحكام وإثارته للاهتمام ، ومؤشرات النجاح النسبية التقليدية كانت (هي) تراكم ثروات ومستويات تكنولوجيا ، وانطلق ليفي- شتراوس فاتحاً على ما يظهر عوالم ثانوية من الزواج والأساطير وعلم اللغة والهوية الاجتماعية والوجودية مبيناً كيف ان كلاً منها هو نظام تبادل صعب التحليل بين الأفراد وبين الجماعات – وبأن نفس أنواع الأنظمة تعمل في مقاطعة آرديش (في فرنسا) كما في الأمازون . وعقيدة ليفي- شتراوس متعلقة بويلكن وبالتالي فـإنها :"بتشغيل أنظمتها كانت العديد من الثقافات نجحت حيثما كان الغرب قد أخفق ، وكان شعب الاسكيمو والبدو قد تفوقوا في الحياة في مناخات قاسية أما ثقافات أخرى فكانت متقدمة على الغرب بآلاف السنين فيما يخص دمج الجسدي والذهني مع اليوغا و'تقنيات التنفس' الصينية. اما سكان استراليا الأصليون القدماء الذين يـُـنظـَـر إليهم على أنهم في أدنى سلم التطور فقد كان لديهم واحداً من أعقد أنظمة القرابة في الوجود". والمنهجية التي صاغها ليفي- شتراوس لتجيز له عرض هذه التعقيدات المخفية كانت البنيوية – لعقود من الزمان كانت هي الكلمة الرنانة في متن العلوم الإنسانية وغموضها جزء من قوتها – وفرضيتها هي أنه لا يمكن فهم شيء بمفرده بل فقط بعلاقته بشيء آخر بل بأشياء مشابهة – وبأن علاوة على ذلك هذه العلاقة يمكن فهمها فقط بمصطلحات العلاقات التي لدى هذه الأشياء الأخرى مع غيرها أيضاً، مع أشياء مشابهة . والأسئلة التي تلي ذلك هي : في كل حالة .. فيم يكمن هذا "التشابه" ومن أي منظور تظهر هذه "التشابهات"؟ وبالنسبة لليفي- شتراوس يكون كل الواقع الظاهر هو عبارة عن خريطة يتم فك مغاليقها مما يكشف خريطة الواقع التي تحتها والتي بدورها تقود إلى خريطة السطح الذي تحتها وهكذا دواليك ، ولكن في أدنى نقطة – ماذا؟ هل هناك نقطة هي الأدنى؟ أم إن الأمر يستمر في المضي من خريطة إلى أخرى وحسب؟ ومن منتصف سنوات عمره كان ليفي- شتراوس أشهر أكاديمي في العالم، وقد ظهرت صورته على غلاف مجلة (تايم) . اما كتبه المكتوبة بلباقة اكبر ، مثل (سافاج مايند) (العقل الهمجي) وخاصة ً مذكراته المؤثرة بشكل رائع عن الامازون بعنوان (تريستيس تروبيك) (المدارات الحزينة) تم بيعها على نطاق واسع وكانت – أنا متأكد – تتم قراءتهما بمتعة إن لم تتم قراءتها من الغلاف للغلاف ، ومنافسه الوحيد كمفكر مبســَّــط لفهم الناس في فرنسا كان جان – بول سارتر والذي تشاجر معه على مسألة لم تتم الإجابة عليها آنفاً وهي : ماذا يوجد في الأسفل؟ وما هي القوة الدافعة ؟ وقد قال سارتر :"التاريخ" . أما ليفي- شتراوس فقد قال لصحيفة الواشنطن بوست :"قال أتباع سارتر بأنه لا يمكن معرفة شيء بدون التاريخ وكان علي ان أخالفهم ولكن ليس السبب في إنني لا أؤمن بالتاريخ بل إنني أشعر انه ليس له أي امتياز". وقد قتله ذلك وكما يعبر توني جوت عن الأمر في الـ (بوست وور): "كتأويل للخبرة البشرية (الإنسانية) فأية نظرية معتمدة على ترتيب البنى التي أ ُخرج منها الخيار البشري قد قيدتها فرضياتها ، وكون البنيوية هدامة فكرياً فقد كانت هامدة سياسياً " ، وكان لسفينة البنيويين رحلات بحرية مفتوحة على مداها بافراط – ولكن في النه
الرجل الذي وصف كأشهر أكاديمي عالمي
نشر في: 11 إبريل, 2011: 06:36 م