محمد سعيد الصكار في مثل أيامنا العراقية لا يملك المرء من نفسه غير الوقوف مندهشا ومذهولا أمام مزاعم ذوي الشأن في الحياة السياسية، من أحلام وأوهام يجهدون في تسويقها وإقناع الناس بها كحقيقة تخفف من ضياع المقاييس وكرم المفاليس.وليس من أقلها الزعم بأن شارع المطار في بغداد سيغدو أجمل شوارع
الدنيا كما زعم محافظ بغداد، أو مسؤول فيها. وهو زعم حماسي فارغ غير مبني على أية أسس واقعية.ومثله ما يفرح به صديقنا الدكتور قيس العزاوي سفيرنا في الجامعة العربية؛ بل ورئيس الجامعة عمرو موسى، ومثلهما السيد هوشيار زيباري، وزير خارجيتنا ووكيله الصديق لبيد عباوي، من التوكيد المتواصل على انعقاد القمة العربية في بغداد في الشهر القادم؛ وهو موضوع يبعث على الأسى، حين تطلق هذه التمنيات مجانا ودون أي استقراء للواقع العربي والواقع العراقي.فالعراقي لا يعلق أي أمل على هذه القمة البطرة الآتية من أحلام جوفاء في وقت يفتقد فيه المستلزمات الأولية للحياة الطبيعية؛ وهو، بالطبع، لا يأمل حلا لمشكلاته من خلال هذه القمة؛ فالقمة قمة، عليها أن تتطلع إلى الأعلى، ولا شأن لها بحاجات البسطاء الباحثين عن وظائف تسد حاجة عوائلهم.والحق أن العراقيين أذكى من أن يصدقوا جدوى هذه القمة، ولهم من القمم السابقة نماذج كثيرة.أما على صعيد الرؤساء الذين يفترض أن يشرفونا بحضورهم، فينبغي النظر إليه من واقع الحال في بلدانهم وما يعصف بها؛ حيث من المنتظر أن يبقى الكثير من الكراسي فارغا إلا من ممثلين للرؤساء لن يطول بهم البقاء في بغداد إلا بعض يوم لا يشهدون فيه الإنجازات الكبرى التي وعد بها محافظ بغداد ووزير خارجيتنا وصديقنا الدكتور قيس العزاوي. أما الأستاذ عمرو موسى فقد شبع من هذه القمم البائسة، ولم يعد يزعجه وضع ملفاتها المزعجة في حقيبته المحتقنة بمئات القضايا التي لا حل لها.كل العرب وملوكهم ورؤسائهم مشغولون بمصائرهم، وهي مصائر لم يكونوا لينتظروها قبل نهضة (العملاء والجرذان والحشاشين ومشاغبي الفيسبوك وشباب الساحات الذين ملأوا الدنيا صراخا، وسيملأونها)، فمن أين نأتي بالقمم؟ يبدو لي أن على العراق أن يكون واضحا وصريحا، ويتخلى عن دوره الآن في هذه التظاهرة الاستعراضية الفارغة، ويؤجل حقه في عقدها إلى ظروف يكون فيها للأمة العربية الصوت الصافي والقرارات الموضوعية والحضور الحقيقي لملوكها ورؤسائها، وإن كانت كلها مستبعدة وغير ذات جدوى !ولا يخفى على العراقيين أن ميزانية هذه القمة المفترضة كفيلة بسد احتياجات الناس إلى المدارس والمستشفيات وإعمار البنى التحتية والماء الصافي والكهرباء. واقع الحال لا يحيل الأوهام إلى حقائق، والتمنيات والأحلام لن تتيح لضيوفنا الكرام أن يتمتعوا برؤيسة بغداد في ثوبها الجديد، ومن ثم لا يشجعهم ذلك على اتخاذ قرارات براحة بال وصفاء رؤية لهموم المجتمع العربي؛ وهم مثقلون بمشاكلهم الداخلية، وقلوبهم على أوطانهم التي تتقاذفها الأعاصير، وخائفون من مفاجآت ما قد يحصل ببغداد التي يتربص بها أعداؤها، فذلك أولى من السياحة إلى بغداد التي لن توفر لهم إقامة آمنة وشوارع نظيفة، بل مخارج خلفية للهروب، حتى بدون مؤتمر صحفي.إذن؛ ما الجدوى من عقد قمة لا قمم فيها؟ وما الذي سيفرح السادة عمرو موسى وهوشيار زيباري والصديقين قيس العزاوي ولبيد عباوي من هذه القمة الكسيحة المفتعلة؟!إذا كانت شعوبنا العربية تغلي بالغضب، ورؤساء فيها لا ينامون من الخوف، والخلافات صارت على مرأى من الجميع، فلماذا هذا الإصرار الذي لا معنى له على عقدها وإثقال ميزانياتنا بنفقاتها، بما لا نفع فيه؟.
فـي بغداد.. قمة بلا قمم !
نشر في: 15 إبريل, 2011: 06:56 م