بغــــداد/ نــــورا خـــالـــد عدســـة/ علـــــي طــالــب في الخمسينيات عندما تحل الثامنة والنصف من مساء كل يوم أربعاء، ينساب السحر الحلال، فتشرئب إلى الراديو أعناق الناس وتتحرك الألسن... إن "عزيز علي" يصدح بصوته الآن، كان هذا الصوت يجمعنا، نحن الصبية، مع رجال المقهى، يحركنا كما يشاء، فنضحك حين يضحك ونسخر حين يسخر،
كنا نمخر عباب البحر في مونولوجه الشهير (السفينة) وكان مونولوجه (الدكتور) يأخذنا إلى حيث نكشف أمراض المجتمع، وعندما تنتهي الدقائق العزيزة المخصصة لهذا الفنان من قبل إذاعة بغداد، نقوم بترديد كلمات مونولوجاته بينما تنهال عبارات الثناء التي يطلقها رجال المقهى.وحيث أن الفنان عزيز علي كان يافعاً عندما تأسست الدولة العراقية الحديثة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية في بدايات العقد الثاني من القرن الماضي فانه اطلع على مخاض التأسيس ورافق نموها وتطورها وعاصر آلام الشعب جراءها وآمالهم منها وراح يجسد تلك الصور والأحاسيس في منولوجاته، فكان دقيقا في التشخيص ومتشدداً في الحل حتى وصف بالثائر لكنه نأى بنفسه أن يعبر عن أي تيار سياسي أو يتبنى موقفا حزبيا بل كان انحيازه إلى الفقراء والضعفاء وهؤلاء كانوا يشكلون الغالبية العظمة من الشعب العراقي، بل ومن معظم الشعوب لان العالم كله كان يمر عبر ممر ضيق بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.وكان المنولوج هو النموذج السائد في معظم دول العالم في حينه بسبب تلك الظروف التي ولأنه النموذج الوحيد الذي يسمح بتناول مواضيع واقعية والتعليق عليها فكانت الكباريهات في باريس وبرلين ولندن وبقية أنحاء العالم وكذلك في مصر وسوريا ولبنان هو السائد، وفي مصر بالتحديد كان هناك شكوكو وعلي الكسار وشفيق جلال، وكان هؤلاء يتناولون مواضيع شتى لكن بدرجة اقل من التحريض على التغيير، لذا عرف عزيز علي بأنه تبنى الكوميديا السوداء، وتميز عزيز علي بمبدأ التحريض يبدو واضحا حتى سمي بالفنان الثائر، وقد استغل فسحة الديمقراطية والحريات المتاحة في العهد الملكي للتعبير عن فكره وفنه ولم يتعرض إلى الملاحقة إلا في العهود الجمهورية التي تلت، إذ تعرض لأشكال القمع المختلفة مثل العزل والنقل والفصل، بالرغم من انه لم يواصل عمله وكانت أعماله ممنوعة من البث لكن فنه علق بالأذهان وظل الناس يرددون أغانيه ما كان يثير غضب وسخط الأنظمة عليه، ولكونها لم تجد ما تتهمه به فاتهمته بعلاقات خارجية لم تثبت ضده.لم يتردد عزيز علي في المطالبة بمحاسبة المسيئين من المسؤولين والسياسيين ممن آل إليهم مصير الأمة لكنهم لم يكونوا على قدر المسؤولية مما تسبب في استشراء الفساد المالي والإداري واستغلال المناصب لتحقيق مآرب خاصة وشخصية وغياب الشفافية والصدق في الأداء والعمل.ولم يكن يقتصر عزيز علي في نقده الساخر على العراق وشعبه بل كان يتطرق إلى مشاكل العرب جميعا، وعند تأسيس جامعة الدول العربية منتصف الأربعينيات من القرن الماضي زاد الأمل في تحسن الأوضاع، لكن سرعان ما أصيب العديد من النخبة ومنهم الفنان عزيز علي بالخيبة، لأنها لم تكن بمستوى الطموح فوصفها بالمشلولة.ويؤمن الفنان عزيز علي بأن الأوضاع لابد أن تتغير مهما طال بها الزمن فهو بذلك يحض المجتمع على التفاؤل كما يعبر ذلك عن بعد نظره وتحذيره للمسيئين من أفراد وأنظمة بأن لا ديمومة لهم بل هناك صيرورة للأشياء والأفراد والقوى ولابد من تحسين الأداء إذا كان لابد من الاحتفاظ برصيد تاريخي إيجابي فغنى أغنيته الشهيرة "كل حال يزول".عن عزيز علي صوت العراقيين الساخر أقامت مؤسسة المدى فعالية تحت عنوان مئة عام من الاحتجاج حيث قدمها الباحث رفعت عبد الرزاق بقوله: اليوم تحتفي المدى بلحن العراق الساخر وشيخ المحتجين الفنان الراحل عزيز علي بمناسبة مئة عام على ميلاده.وأضاف المقدم: أن أفضل تكريم لعزيز علي هو تقديم أعماله للعراقيين واليوم نعيد تقديم تراث هذا الراحل الكبير من خلال فرقة شبابية هي فرقة بغداد الموسيقية، بعدها قدمت الفرقة عدد من المنولوجات التي تفاعل معها الحضور الذي اكتظت به قاعة بيت المدى في شارع المتنبي وبدأت الوصلة الغنائية بمنولوج "يا جماعة والنبي" ثم قدمت منولوج "دكتور" ثم "السفينة والبستان"، بعدها قدم المطرب فاضل المياحي منولوجات استوحت موضوعاتها من طريقة الراحل عزيز علي في تقديم المنولوج حيث قدم المياحي منولوجين تناول فيهما الأوضاع التي يمر بها العراق في الوقت الحاضر.قالوا فـي عزيز علــي ......راية للتجديد الحقيقيأنها لفرحة جميلة ومهمة للغاية أن يتحدث المرء عن مجريات الأحداث في بعض الأقطار العربية، لا شك أن روح العصر والتطورات العالمية الكبيرة كان لها تأثير مباشر لدفع جموع الشباب من جميع الفئات للتمرد والاحتجاج على جميع سيئات الوضع الراهن هي صحوة حقيقية وخطيرة يجدر أن تؤخذ بنظر الاعتبار واستخلاص الدروس اللازمة منها لم يعد ممكنا الانصياع لحالة الجمود والتلكؤ التي شغلت المنطقة منذ عدة عقود فالراية كانت ولا زالت هي راية التجديد الحقيقي المبني على خيارات الناس اختيارات الحرية والديمقراطية وتكافؤ الفرق بين الجميع.مهدي الحافظالغائب الحاضرهو الفنان الغائب الحاضر الذي مثل فترة مهمة من حياة الشعب العرا
عـزيز علــي.. صوت الاحتجاج العراقي ضد الظلم والانتهازية
نشر في: 15 إبريل, 2011: 08:42 م