بعد يوم من اتهامه بالغش وخيانة الثقة، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، استقالته من منصبه كوزير، وتخليه عن حصانته البرلمانية، بالطبع لم يقم بذلك لحسن أخلاقه، وهو بلطجي معروف، وإنما أتت خطوته استباقاً لإقالته، استناداً إلى حكم قضائي سابق في قضية مماثلة، حيث أمرت المحكمة العليا وزيراً بتقديم استقالته، بسبب اتهامه بتهم شبيهة بالتي يواجهها ليبرمان، خصوصاً وأن رئيسة حزب (ميريتس)، قدمت طلباً إلى المحكمة، تطلب فيه إلزام ليبرمان بالاستقالة استناداً إلى تلك السابقة.
ليبرمان، وهو المرشح الثاني على قائمة نتنياهو للانتخابات النيابية المقبلة، لا يعتزم البقاء بعيداً عن الحلبة السياسية، وهو يأمل بإجراء محاكمة سريعة، تنتهي بالبتّ في قضيته، قبل الانتخابات المقررة في الثاني والعشرين من كانون ثاني المقبل، محاولاً الانتهاء من ملاحقات قضائية، وجلسات استماع مستمرة منذ ستة عشر عاماً، ليكون حسب تعبيره، قادراً على خدمة مواطني إسرائيل، وجزءا من القيادة القوية المقبلة، والموحدة في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، التي تواجهها الدولة العبرية، وعلى قناعة بأن المواطنين يستطيعون الذهاب إلى صناديق الاقتراع، بعد حل هذه المشكلة.
الوزير الأكثر تطرفاً في حكومة نتنياهو، يسعى لإبرام صفقة مع النيابة العامة، تبعد عنه شبح الإدانة المقترنة بوصمة عار، تمنعه بموجب القانون من شغل منصب نائب أو وزير لفترة خمس سنوات، وإذ يستبعد المراقبون انعكاس الاستقالة سلباً على وضعه الانتخابي، فإن حليفه نتنياهو أعرب عن أمله أن ينجح ليبرمان في إثبات براءته، في حين استبعد سياسيون المشاركة في أي حكومة يشارك فيها شخص اتهم بالغش، وسيكون ذلك عائقاً أمام نتنياهو، لتشكيل حكومة تضم أحزاباً من خارج قائمة ليكود وإسرائيل بيتنا.
ليبرمان الذي كان هدد بتفجير السد العالي في مصر، ودعا لاغتيال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، متهم بارتكاب مخالفات احتيال وخيانة الأمانة، حيث لم يطلع الجهات المختصة أنه تلقى من السفير الاسرائيلي في بلاروسيا مواد سرية تتعلق بتحقيق النيابة العامة البيلاروسية في شبهات ضده، ورغم أن النيابة العامة قررت إغلاق الملف المركزي ضده، وهو ملف يتعلق بشركات وهمية، مارس فيها ليبرمان مخالفات غسل الأموال، والحصول على امتيازات بالاحتيال وخيانة الأمانة، فإن الملف المفتوح، كفيل بتجميد نشاطه كوزير أو نائب لمدة محدودة، لكن ذلك لن يمنع تأثيره في الحياة السياسية، من خلال أعضاء الحزب الذي أسسه ويرأسه، والذي سيكون الشريك الأكبر في الحكومة المقبلة، في حال فوز نتنياهو.
نشعر بالرضى طبعاً، ونحن نشاهد الوزير الأكثر تفاخراً بعداء الفلسطينيين، والذي كان دعا إلى تسفير من بقي منهم في أرضه، وأفرغ حل الدولتين من مضمونه، وهو في موقف المتهم بالغش، وخيانة الأمانة، حتى وإن عقد صفقة تخرجه بريئاً، ونستذكر بالرضا أيضاً، إدانة رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت، وقبله رئيس الدولة موشيه كاتساف، لكننا نشعر بالغصة ونحن نرى بالعين المجردة، إغلاق عشرات ملفات الفساد المؤكدة ضد مسؤولين عرب، على كامل جغرافيا الوطن العربي، وحتى عدم التحقيق معهم، لأنهم محميون بالعلاقة مع رأس الدولة، أو بانتمائهم الطائفي، أو ولائهم الحزبي، ونسأل كم وزيراً في حكوماتنا الرشيدة ما زال يمارس الفساد، دون أن يرف له جفن، أو يخشى أي ملاحقه، وكم وزيراً ليس غشاشاً في تلك الحكومات.