حسين عبدالرازق
لم أكن أعرف أنني سأكون موضوعا لآخر تحقيق تليفزيوني لهذا الشاب الجميل الذي يتفجر حيوية وحماسا والذي حضر إلى مكتبي بحزب التجمع صباح الثلاثاء 4 ديسمبر ومعه طاقم التليفزيون الألماني، سألني عن بداية عملي بالصحافة عام 1961 وحتى اليوم وعن عملي بالسياسة من خلال حزب التجمع وقبل تأسيس الحزب، وعن المتاعب والمصاعب التي واجهتها وعدد مرات دخولي السجن ومنعي من الكتابة والعمل بالصحيفة القومية التي كنت أنتمي إليها «الأخبار» والذي استمر من عام 1975 وحتى نوفمبر 1996 تاريخ إحالتي للمعاش لبلوغي سن الستين، واتفق معي على مواصلة الحوار والتصوير مع بدء الوقفة الاحتجاجية أمام نقابة الصحفيين والمسيرة إلى ميدان التحرير، خلال الوقفة الاحتجاجية والمسيرة واصل التليفزيون الألماني التصوير، وانضم «الحسيني أبوضيف» إلى المحتجين وقاد الهتاف ضد حكم المرشد والدستور الإخواني - السلفي، وكنت أقف خلفه وأردد مع آلاف الصحفيين الهتافات، وبعد وصولنا ميدان التحرير، أخذني جانبا واستكمل الحوار التليفزيوني معي حول الأوضاع الراهنة في مصر ودور الصحفيين فيها وأهدافهم ومطالبهم التي طرحوها في الوقفة الاحتجاجية والمسيرة.
عندما وصلني خبر إطلاق النار عليه مساء الأربعاء أثناء تغطيته أحداث الاتحادية بمصر الجديدة وإصابته في الرأس ليرقد في المستشفى بين الحياة والموت انتابني إحساس بالضياع ولم أستطع منع الدموع التي تساقطت، ظلت عيناي تدمعان رغما عني مع كل تطور أو تحرك من أجل «الحسيني أبوضيف»، حتى والهتافات ترتفع في المسيرة التي نظمتها نقابة الصحفيين يوم الجمعة 7 ديسمبر مساندة للحسيني «الشهيد الحي» كما أطلق عليه خلال فترة وجوده في المستشفى، رددنا جميعا في هذه المسيرة «يا حسيني يا ولد.. دمك بيحرر بلد».
وعشنا سبعة أيام متشبثين بأمل ضعيف، أمل يتناقض مع العلم والمنطق، حتى جاءنا الخبر اليقين.. خبر استشهاد «الحسيني أبوضيف» ورحيله إلى جنة الخلد ظهر الأربعاء 12 ديسمبر 2012.
واستعرض زملاؤه وأصدقاؤه ورفاقه تاريخه ونضاله الطويل رغم قصر حياته، فهو الابن الأكبر لأسرة مصرية بسيطة الحال، والده سائق، أنجب ثمانية (6 أولاد وبنتين)، حرص على تعليمهم جميعا وصولا للجامعة، فالحسيني خريج كلية الحقوق جامعة أسيوط، وشقيقه أبوضيف خريج كلية التجارة.. وهكذا.
وللحسيني ملف كبير في مباحث أمن الدولة، خاصة خلال سنوات الدراسة في الجامعة ونشاطه كناصري مع اليسار في معارك الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ومساندة الثورة الفلسطينية وقضايا الوطن والأمة، ويذكر أساتذته في كلية الحقوق بجامعة أسيوط بإعجاب القضية التي رفعها - وكان مايزال طالبا - ضد فرض مصروفات جامعية رغم أن الدستور ينص على مجانية التعليم، ومنعت إدارة الكلية إعلان نتيجة امتحانه لعدم دفعه المصاريف المقررة، ولكنها اضطرت إلى إعلانها بعد أن حكم القضاء الإداري لصالحه، مما أدى إلى إلغاء المصاريف المقررة في الجامعة.
وشارك الحسيني في تأسيس حركة «كفاية» في أسيوط وتشكيل حركة «عايز حقي»، واعتقل عدة مرات خلال حكم مبارك.
وعام 2006 وقف مع آخرين ضمن الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها لجنة الحريات بالنقابة ضد المحاكمات العسكرية لخيرت الشاطر و40 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وفي جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة كان من أشد المؤيدين لمرسي مثله مثل عديد من الناخبين الذين صوتوا لمرسي بمقولة إن فوز شفيق يعني عودة نظام مبارك!
وبعد 6 أشهر قررت جماعة «محمد مرسي» اغتياله لوقوفه ضد الدستور الإخواني - السلفي الذي يحول مصر إلى دولة دينية استبدادية ويميز ضد المرأة والأقباط وينتهك استقلال القضاء وحرية الصحافة..!
وطبقا لتقرير الطب الشرعي فقد توفي الحسيني بطلق ناري في الرأس من الجانب الأيمن للرأس أدى إلى تهتك خلايا المخ وكسر بقاع الجمجمة وكسر في الفقرات العنقية، وهو ما يشير إلى أن القاتل محترف وأطلق النار بهدف القتل تحديدا.
وتصل الجريمة ذروتها عندما استولى «أحمد سبيغ» الصحفي بالحرية والعدالة و«عبدالرحمن عز» المذيع بقناة 25 الإخوانية على «الكاميرا» التي سجل بها الحسيني وقائع اعتداء ميليشيات الإخوان على المتظاهرين أمام الاتحادية وتعذيبهم أمام بوابة رئاسة الجمهورية ،فبمجرد إطلاق النار عليه وسقوطه على الأرض تقدما لانتزاع الكاميرا التي كانت معلقة على رقبته والفرار بها.. وذلك طبقا لما ذكره محامي «الحسيني أبوضيف» الذي أكد أن هناك شهودا على الواقعة سيتم تقديمهم للنيابة.
لذلك لم يكن غريبا أن المشيعين لجنازة «الشهيد الحي» رددوا الهتافات التالية:
- «بلدي يا بلدي.. المرشد قتل ولدي»
- «الحسيني مات مقتول.. والرئيس هو المسؤول»
- «قولوا للكداب والسفاح.. الحسيني معاهوش سلاح»
- «يا حسيني يا ولد.. دمك بيحرر بلد»
- «يسقط يسقط حكم المرشد»
ولا يمكن تجاهل الدور المهم الذي لعبه – وما يزال - مجلس نقابة الصحفيين في قضية اغتيال الحسيني أبوضيف - باستثناء النقيب - وفي قضية رفض الدستور الباطل والاستفتاء الباطل.
وفي القلب من هذا التحرك تبرز الزميلة «عبير سعدي» التي كانت الدينامو المولد لكل هذه الجهود والوقفات والمسيرات، خاصة في مواجهة جريمة اغتيال الحسيني، لم تكن مجرد زميلة صحفية ومسؤولة نقابية، بل كانت وكأنها أم تدافع عن فلذة كبدها، أو الأخت الكبرى تسعى لإنقاذ شقيقها الأصغر، كانت وماتزال إنسانة ومناضلة سياسية وقائدة نقابية.
وأظن أن استشهاد «الحسيني أبوضيف» يوم 12 ديسمبر، سيصبح يوما فاصلا في تاريخ الصحافة المصرية والعمل النقابي، فقبل 12 ديسمبر شيء وبعد 12 ديسمبر لابد أن يكون شيئاً آخر.