TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > كشف الغطاء

كشف الغطاء

نشر في: 17 ديسمبر, 2012: 08:00 م

تعيش مصر حالة تحول كمرحلة خاصة جدا في تطور المجتمع حيث يواجه هذا التطور صعوبات بلا حصر داخلية وخارجية، والداخلية في حالتنا هي الأساس ،إذ أن السلطة الجديدة وهي تعيد إنتاج النظام الاجتماعي الاقتصادي لعهد «مبارك» مدعية أنها تقيم نظاما جديدا اختارت أن تجري التغيير في ميدان الثقافة والسياسة مع الإبقاء على الأساس المادي القديم أي علاقات الإنتاج الرأسمالية إضافة للإعلاء من شأن الطابع التجاري والنشاط الطفيلي وتمتين علاقات التبعية مع الولايات المتحدة الأمريكية مع إزاحة أهداف ثورة 25 يناير إلى الخلف، أو التعامل معها متحفياً باعتبارها أيقونات لحركة انقضى زمانها وبدأ عصر الاستقرار طبقا لأدبيات الحكام.

ولم تخطئ قوى المعارضة الديمقراطية حين خاضت المعركة مع حكم الإسلام السياسي على أرضية الثقافة والسياسة وأزاحت - موقتاً - الوضع الاقتصادي الاجتماعي، لأن المعركة على أرض السياسة والثقافة كانت وماتزال من الخطورة بمكان لأن مشروع الدولة الحديثة التي تقوم على المؤسسات والفصل بين السلطات أصبح مهددا بصورة جدية، فالإسلام السياسي في حين يوجه الضربات المنظمة لمؤسسة القضاء ويلحقها بسلطة الحكومة أو بالأحرى يخضعها لهذه السلطة فإنما يتطلع إلى ما يسميه المحاكم العرفية التي تفصل في القضايا وفقا لشرع الله كما يرونه هم بديلا عن القانون وتقيم الحدود فتقطع الأيدي والأرجل والرقاب وترجم الزانية وهلم جرا، وبدلا من التعليم الإلزامي العام تقيم الكتاتيب ومدارس حفظ القرآن، أو تحول هذه الشبكة الهائلة من المدارس العامة إلى القطاع الخاص حيث يمتلك الإسلاميون مدارسهم ويتطلعون - بنهم - إلى الاستيلاء على المدارس الحكومية حين خصخصة التعليم، وهذه الخصخصة هي مشروع مؤجل موقتاً من مشروعات الإسلام السياسي والذي هو أيضا موضوع لصراع مؤجل مع القوى الديمقراطية.
كذلك يدور الصراع الضاري الآن بين الإعلاميين العاملين في إعلام الدولة وهم يدافعون عن حرية هذا الإعلام وموضوعي باعتباره مملوكا للشعب وليس للحكومة وبين الوزير الإخواني الذي يسعى إلى تحويل هذا الإعلام إلى بوق للإسلام السياسي وأفكاره ورؤاه الأحادية ضيقة الأفق التي تختزل العالم في ثنائية الإيمان - الكفر لتغطي على حقيقة الصراع الطبقي المحتدم في البلاد.
يطبق الإسلام السياسي الحاكم هذه الإستراتيجية لهدم الدولة الحديثة في كل المؤسسات والمجالات مع الإبقاء بل والتشبث بالطابع الرأسمالي الطفيلي التابع للاقتصاد.
ولكن جماهير ثورة 25 يناير بادرت هي نفسها لنقل الصراع تدريجيا إلى أرض العلاقات الاقتصادية - الاجتماعية حين رفعت شعار لا للغلاء لا للاستفتاء وخرجت متظاهرات ممسكات بالحلل الفارغة وبدأن الدق عليها وقد تعلمن من تجارب بلدان أمريكا اللاتينية أثناء نضالها لإسقاط الديكتاتوريات.
وهكذا بدأت مؤخرا عملية كشف الغطاء عن حقيقة السياسات الاقتصادية - الاجتماعية لحكم الإسلام السياسي، وإذا ما انكشف هذا الغطاء كلية سوف يتبين لنا الحجم الواقعي لقوى الإسلام السياسي خاصة إذا ما دخل العمال والفلاحون بكل قوتهم إلى الميدان، ولابد من الانتباه هنا إلى أن ضعف أحد المعسكرين لا يعني تلقائيا القوة والتلاحم لدى المعسكر الآخر، إذ أن هناك صراعات خفية ومعلنة بين قوى الإسلام السياسي وفي داخل حلفها، كما أن القوى الاحتياطية المباشرة وغير المباشرة لمعسكر ثورة 25 يناير التي لم ترفع شعارا دينيا واحدا لاتزال كامنة وهي بدورها مشتتة وتدور في داخلها صراعات صغيرة وشخصية ولم يجر استنهاضها كلها بعد وسوف تجري عملية استنهاضها في القريب العاجل لا فحسب عبر وعيها بقدرتها التي تفتح وتقدم ووضوح رؤيتها الذي أنجزته الثورة وعبر قدرة قادتها على تنظيمها وإنما أيضا عبر المعطيات الواقعية ذاتها التي يتدهور في ظلها مستوى معيشتها، وينغلق المستقبل أمامها ويهددها الجوع الفعلي حتى أن القول بثورة جياع قادمة ليس من قبيل المبالغة ،وهذه جميعا عوامل سياسية وثقافية متداخلة تنعكس يوميا على الواقع الاقتصادي - الاجتماعي وتؤجج الصراع الطبقي، وهي جميعا عوامل فاعلة وتغييرية متحركة لا يخضع فيها الأمر الممكن إلى الأمر الواقع لأن قوة الغضب الجماهيري واتساع قاعدة العمال والفلاحين والفئات الوسطى تدق بقوة على أبواب ممكنات شتى وتطيح بالمعنى المستقر في الأفكار البليدة الذي يقول إن السياسة هي فن الممكن وحسب يقول لهم الواقع الفعلي إن الثورة تفتح آفاق الممكنات وهي في حالة حركة دائبة.
ولا ننسى في هذا الصدد أن الغطاء الذي انكشف قد بين إلى أي حد لم تعد قطاعات واسعة من الجماهير البسيطة تنخدع بالخطاب الديني الأصولي بل وترى أن تدينها - أي تدين الجماهير - هي الأصح والأقوى، وهذه إضافة أخرى لرصيد الثورة المستمرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram