ترجمة: عبد الخالق علي أربعة أماكن لها أهمية كبيرة في حياة خوان ميرو ، كل منها يساعد في فهم نفسيته المعقدة و الفن الذي صنعه . الأول هو المكان الذي ولد فيه عام 1893 في حي برشلونة القديم. كان والده يعمل في صناعة و تصليح الساعات اليدوية. كان يشعر بالاختناق في هذه المدينة المحافظة .
لم يكن ميرو يمتلك موهبة بيكاسو العظيمة المبكرة ، و كان منذ صغره مولعا باللون المجرد و بالتركيب اكثر من ولعه بالعرض . لم يتمكن من انجاز رسومات اكاديمية ، و لهذا عندما بدأ بدراسة الفن في لوتجا – حيث درس بيكاسو – لم يكن متشوقا للبقاء فيها. في سن السابعة عشرة و تحت ضغط والديه عمل كاتبا في احد المكاتب ، كان العمل منهكا مما ادى الى سوء حالته الصحية . لم يكن من السهل فهم ميرو . كان خجولا ، وجلاً لكنه يمتلك روحا لا تلين . بقي طوال حياته كاتالونيا صادقا. خلال الحرب الاهلية الاسبانية و في ظل حكم فرانكو ، اعلن تعاطفه مع الجناح اليساري . كان لديه العديد من الاصدقاء ، و رغم ارتباطه بالسرياليين فانه لم ينتم الى اية جماعة و بقي مستقلا. في سن التاسعة عشرة ذهب للدراسة في مدرسة للفنون يديرها شخص كاتالوني يدعى فرنسيس كالي . كان لايزال غير قادر على الرسم و لا يعرف الفرق بين الخط المنحني و المستقيم . ساعده كالي و جعله يرسم حياة جامدة لأشياء بلا ألوان كقدح الماء . كان ميرو معجبا بكالي و عرف عددا من الاصدقاء في مدرسته للفنون ، و مثل بيكاسو قبله ، بدأ يستمتع بحياة الشارع .بدأ يعرف ان العالم الحقيقي كان في مكان آخر، و ان برشلونة تخلو من الرسامين التكعيبيين او السرياليين ، و ان معظم الفنون المعاصرة المعروضة في المدينة كانت كئيبة و من الطراز القديم. صار ينظر الى برشلونة و كأنها سجن ، ثم بدأ يحلم بباريس . رغم خجله شعر بالود تجاه فرانسيس بيكابيا ، احد قادة حركة دادا الذي لجأ الى برشلونة خلال الحرب ، إلا ان بيكابيا فتح شهيته للمغادرة . غادر ميرو الى باريس في 1919 ، و قام بيكاسو بتقديمه الى التجار هناك واخذ يتحدث عن أعماله كما اشترى رسوماته منه . و رغم ان ميزو لم يكن يحب هؤلاء فقد وجد حرية شخصية و فنية في باريس ، في الشوارع و المتاحف و المعارض. كان فرحا بالمكان .المكان الثاني المهم في حياته هو بيت ريفي في مونت – رواج ، قرب الشاطئ في محافظة تاراكونا ، و هو مكان اشتراه والده عندما كان هو في السادسة عشرة . و مثلما صدمته بيئة باريس بجمالها فقد تأثر بهذا البيت و بالأرض المحيطة به المليئة بخمائل الزيتون ، ذات الصخرة الحمراء المحززة. ظل هناك يرسم بسلام. رسم عددا من اللوحات المبكرة للمباني الواقعة ضمن ممتلكات والده من بينها المزرعة . كان مولعا ايضا بالجوانب الصغيرة للطبيعة : بالعشب و الأشجار ، و بالحيوانات و تجهيزات المزرعة و الضوء القادم من البحر و ببعض القرى في المنطقة . صارت مونت- رواج ملاذا له من برشلونة ، و عندما وصل الى باريس صارت هي الملاذ من الأحاسيس القاسية التي سببتها له برشلونة ، و سرعان ما صارت ملاذا أيضاً من بعض المعارف هناك من الرسامين و الأدباء مثل همنغواي الذي اشترى منه لوحة المزرعة في 1923 . في العشرينات و بينما كان يتنقل بين باريس و مونت – رواج ، بدأت اعماله تتغير تحت تأثير السرياليين . عندما ينفد منه المال و ليس هناك من يشتري اعماله ، كان يعود الى شقة العائلة في باسيج ديل كريدت ، ليعمل في استوديو في الطابق العلوي . في 1929 تزوج من بيلار جانكوسا التي تنحدر من عائلة مثقفة من مالوركا ، و في 1931 ولدت طفلتهم الوحيدة دولورس . عندما ذاع صيته ، وجد وكيلا اميركيا – بيير ماتيس – و ما بين 1932 و 1939 اقام 20 معرضا لأعماله في اميركا و أوروبا لكنه لم يقم اي معرض في برشلونة . في 1968 عندما بدأ حكم فرانكو بالتحول الى الليبرالية نوعا ما ، منحوه فرصة لعرض بواكير اعماله في مستشفى دي لا سانتا كرو في برشلونة . شعر ميرو بالسرور لهذا التقييم لكنه في نفس الوقت شعر بالخسارة لعدم استطاعته عرض اعماله قبل هذا الوقت في المدينة التي ولد فيها. لقد استمد إلهامه من كاتالونيا . عاد أخيراً الى مدينته . طلب موقعا يبني عليه مؤسسته – مؤسسة خوان ميرو - . وهب العديد من لوحاته . كانت السلطات لا تزال غير متأكدة من شهرته لكنها قدمت له أجمل المواقع على جانب تل مونتجيس الذي يطل على المدينة و على البحر ايضا.كان المكان انيقا و تبدو قاعاته مقدسة قياسا بالعالم الخارجي . بالقرب منه يقع المتحف الوطني لفنون كاتالونيا حاليا الذي يضم مجموعة كان لها اعمق الأثر على ميرو في صغره ، مجموعة فاخرة من اللوحات الجدارية ذات الاقواس الدائرية جاءت من كنائس كاتالونيا . كان يحبها كما يحب نفسه . المكان الرابع الذي أطر فن ميرو هو الستوديو الكبير المليء بالضوء ، صممه له ( سيرت ) في ضواحي بالمادي مالوركا منتصف الخمسينات ، و هو الآن مفتوح للجمهور و باق على حاله كما تركه ميرو عند وفاته مع بعض اعماله غير المنجزة و بعض الألوان و الفرشاة . وصل ميرو الى مالوركا عن
خوان ميرو.. منفيّ فـي وطنه
نشر في: 23 إبريل, 2011: 07:04 م