في الفترة الأخيرة أصبح حديث بعض الكتل البرلمانية والكثير من البرلمانيين عن الحسابات الختامية للدولة العراقية، بعد أن بح صوت الاقتصاديين العراقيين في المطالبة بضرورة وجود هذه الحسابات، من اجل معرفة الوضع المالي الحقيقي للدولة العراقية، وكيفية استخدام هذه الأموال، والنتائج المتحققة بعد صرفها، والتي جاءت من مصادر مختلفة: واردات النفط، المنح والمعونات، والقروض الدولية والمحلية والضرائب والمصادر الأخرى. وحتى الآن لم يستطع ديوان الرقابة المالية تقديم هذه الحسابات.
لقد نص قانون الإدارة المالية والدين العام رقم 95 لسنة 2004 المعدل في القسم 11 البند 5 و6 على ما يأتي:
1-في يوم 31 أيار و30 تشرين الثاني، يقدم وزير المالية تقارير تفصيلية بشأن تنفيذ ايرادات ومصروفات الميزانية، والتمويل للفصول التي تنتهي في 31 اذار و30 ايلول على التوالي، وله ان يقدم في 31 آب من كل سنة، تقريرا نصف سنوي إلى السلطة التشريعية بهذا الشأن.
2-في 15 نيسان من السنة التالية يقوم وزير المالية بإعداد الحسابات الختامية السنوية، لاسيما أموال الموازنة الخاصة، ويقدمها إلى ديوان الرقابة المالية. ويقوم الديوان بإعداد تقرير رقابي بشأن الحسابات الختامية في 15 حزيران.
الحسابات الختامية يجب أن تتضمن اضافة الى الحسابات الأخرى ما يأتي :
1- تقرير حول الفوارق بين إيرادات الميزانية المستحصلة والنفقات من جهة، وبين تمويل العجز واستخدام الفائض.
2-تقرير عن قروض الحكومة الفدرالية السنوي وقروض الحكومات الإقليمية والمحافظات والحكومات البلدية والمحلية.
وقد قام ديوان الرقابة المالية بتدقيق حسابات الحكومة العراقية حتى نهاية 31/12 2010 التي تسلمها في أوقات متخلفة عن التواريخ التي ينص عليها قانون الإدارة المالية والدين العام، كما قدم تقريرا عن الحسابات الختامية حتى نهاية 31/12/2009 وحتى الآن لم يناقش البرلمان هذه التقارير، رغم الحديث عن هذه التقارير بين وقت واخر، مما يدلل على عدم الجدية في متابعة ومراقبة اعمال الحكومة، التي تعتبر من الواجبات الاساسية للبرلمان، ومن الحقوق الأساسية للشعب العراقي في الاطلاع عليها، باعتباره المالك الشرعي لهذه الأموال، حسب ما نص عليه الدستور العراقي.
التقارير
لقد اظهر التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية لعام 2011، والذي صدر في تموز 2012 حول موازنة 2010 وبشكل مختصر ما يأتي:
1-لم تقدم الكثير من دوائر الدولة والشركات العامة بياناتها المالية للسنة المنتهية في 31/12/ 2010 حتى 31/12/2011.
2-عدم جدية بعض الوزارات والتشكيلات التابعة لها في تصفية ومعالجة الملاحظات الواردة في تقارير ديوان الرقابة المالية.
3-تم تزويد الديوان ببيانات غير مستوفية لمتطلبات انجاز تدقيقها.
ومن أمثلة ذلك:
-30 و25 دائرة تابعة لوزارات ودوائر غير مرتبطة بوزارة لم تقدم بياناتها المالية عن عام 2009 ولغاية 31/12/2010، وعن عام 2010 لغاية 31/3/ 2012على التوالي.
قام ديوان الرقابة المالية في عام 2010 بإصدار 5714 تقريرا، ولم تقم 472 دائرة تابعة لـ49 وزارة ودوائر تابعة، او جهة غير مرتبطة بوزارة، بالرد على هذه التقارير. وهناك 18 دائرة قدمت بيانات غير متكاملة تمت إعادتها لهم. ولذلك لا يستطيع الديوان المصادقة على الموازنات الختامية ما لم تتم تهيئة هذه التقارير.
تنفيذ العقود الحكومية
أكدت تقارير ديوان الرقابة المالية، في ما يتعلق بتنفيذ العقود الحكومية على ما يأتي:
1-عدم وجود دراسات جدوى اقتصادية، وعدم دقتها إن وجدت، لاغلب المشاريع التي تم التعاقد على تنفيذها، مما أدى الى زيادة الكلف الكلية وتجاوز النفقات الفعلية للتخصصيات.
2-يتم التعاقد مع الشركات الوسيطة بدلا من التعاقد مع الشركات الأم (مثال وزارة الكهرباء) وإتباع أسلوب الدعوات المباشرة.
3-عدم التزام اغلب العقود المبرمة بالتعليمات ( عدم تقديم كفالة حسن الأداء، وعدم تضمينها شرط الغرامات).
4-طول الفترة بين تاريخ الإحالة وتاريخ توقيع العقد.
وقد تم سحب 663 مشروعا من المقاولين الذين لم يلتزموا بالشروط ، أعيد منها 137 مشروعا لنفس المقاولين، وبقيت 526 مشروعا بدون تنفيذ تابعة لـ18 وزارة و8 محافظات إضافة الى ديوان الوقف الشيعي وأمانة بغداد.
تنفيذ الموازنة الجارية والاستثمارية
1- تم صرف مبالغ والدخول في التزامات دون توفر الاعتمادات اللازمة لها، والتجاوز على التخصيصات المعتمدة، اضافة الى الصرف من تخصيصات الموازنة الاستثمارية على الإنفاق الجاري ( الذي هو جزء من التشغيلي).
2-تدني نسب التنفيذ لفقرات الموازنة الجارية عن التخصيصات المرصدة لاغلب الدوائر، وهذا يشير الى المبالغة في وضع التخصيصات السنوية، إضافة إلى عدم الكفاءة في التنفيذ. (جدول رقم 1 و2)
3- ضعف في أنظمة التكاليف المتبعة في الإدارات الممولة ذاتيا.
4- تعدد مصادر التمويل لإدارات ممولة مركزيا وشركات عامة خلال الفترة 2006-2010 (موازنة تنمية الأقاليم، المجلس الأعلى للإعمار، مشاريع تنمية الاهوار، المنحة الأمريكية، ومصادر تمويل أخرى) وهذا ما يخل بمبدأ وحدة الموازنة وصعوبة السيطرة على حركة التدفق النقدي، وعدم التمكن من توحيد الحساب الختامي للدولة.
في عام 2010 هناك 20 وزارة ودوائر غير مرتبطة بوزارة، حصلت على مصادر تمويل أخرى بلغت 21,608 تريليون دينار.
5-لا توجد لدى اغلب الدوائر مطابقات حسابية مع المصارف، ولم تجر تصفية الموقوفات.
6-هناك 5 وزارات لم تقم بالصرف نهائيا من تخصيصات الموازنة الاستثمارية مبالغها 18,800 مليار دينار.
7-هناك 22 تشكيلة إدارية بلغت نسب تنفيذها للموازنة الاستثمارية بين 11% و58%، منها تابعة لوزارة الصناعة 52%، البلديات والأشغال العامة 38%، النفط 51%، الصحة 47%، أمانة بغداد 58%.
8-ملاحظات كثيرة عن مشاريع المنحة الأمريكية تؤكد عدم تطابق البيانات، وعدم توفر البيانات عن تكاليف المشاريع المنفذة والمبالغ المصروفة.
9- لم تقم اغلب الدوائر بإعداد وتقديم كشف التدفق النقدي وفقا لمتطلبات القاعدة المحاسبية رقم 7.
هناك أرصدة سلف بمبلغ 69,685 مليار دينار، وأرصدة أمانات بمبلغ 49,282 مليار مخالفة لطبيعتها. كما أكدت إستراتيجية الموازنة الاتحادية للأعوام 2013 – 2015 على ان كشف المراجعة، الذي اجرته دائرة المحاسبة في وزارة المالية، (عن تراكم اكثر من 40 تريليون دينار من السلف، يتضمن قسم منها سلفاً تعود إلى عقود من الزمن ، ويشكل قسم آخر مصاريف مكشوفة أطلقت بدون تخصيص في الموازنة اكثر من 10 تريليون دينار. كما أكدت الإستراتيجية تراكم الالتزامات المباشرة والافتراضية كالقروض المقدمة من قبل مصرفي الرشيد والرافدين الى الشركات العامة، وقروض المصرف العراقي للتجارة الى وزارة التجارة وسندات الخزينة الممنوحة من قبل مصرفي الرشيد والرافدين لصالح وزارة الكهرباء، وقد تصل الى 20 تريليون دينار. وتشكل هذه الالتزامات بالاضافة الى السلف المكشوفة انفاقا خارج اطار الموازنة مما يشكل تهديدا واضحا لمصداقية الموازنة وعبئا خفيا على موارد الموازنة).
الموجودات الثابتة
1-ما زالت بعض الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة لم تقم بتقديم الكشوفات اللازمة لحصر وتقييم أضرار الحرب التي لحقت بها .
2-بعض الوزارات والتشكيلات التابعة لم تقم بتشكيل لجان جرد ومطابقة الموجودات الثابتة.
3-تسلمت اغلب الوزارات موجودات من منظمات إنسانية وجهات أخرى، لم يتم تسعيرها وتسجيلها في السجلات الخاصة بها.
4- لم تقم بعض الدوائر بتسجيل العقارات التابعة لها لدى دوائر التسجيل العقاري.
أمثلة وردت في موازنة 2010
هناك 1937 سيارة منسبة لدى الغير لأكثر من ستة أشهر ولم يتم حسم موضوعها.
هناك 1326 سيارة مسروقة لم يتم حسمها، ولم يتم حسم موضوع سرقة 33 (تريلة) وقود نفط اسود أثناء نقله من مصفى النجف إلى محطة المسيب الحرارية.
هناك 13755 تجاوزا على ممتلكات الدولة لم يتم حسمها.
لقد أكد تقرير ديوان الرقابة المالية عن الحسابات الختامية حتى نهاية عام 2009 وجود فائض تراكمي يزيد على 58 تريليون دينار عراقي، كما ان مراجعة الإحصائيات المختلفة وخصوصا الصادرة عن البنك المركزي تؤكد وجود فائض تراكمي من عام 2003 وحتى عام 2011 يبلغ بحدود 96 تريليون دينار ( جدول رقم 3) وهذا يشمل زيادة الإيرادات الفعلية على النفقات الفعلية بما في ذلك النفقات التي لم يتم تنفيذها من جميع مؤسسات الدولة في المجالين التشغيلي والاستثماري. وكل هذا ناجم عن عدم وجود حسابات التدفق النقدي وفقا للقاعدة المحاسبية رقم 7 .
المصادر: نشرات البنك المركزي العراقي لغاية 2010 ، عام 2011 أخذت من مصادر أخرى مختلفة.
لم يتم حل مشكلة السلف والأمانات والاعتمادات المفتوحة مع التشكيلات الإدارية المختلفة للحكومة العراقية، ولذلك لا يعتبر الفائض المتراكم مبلغا نهائيا، الا ان الفائض في النفقات الجارية الذي لا يجوز تدويره ولا يجوز مناقلته بالتأكيد يعتبر فائضا حقيقيا لم يجر تحديده بشكل دقيق من قبل الحكومات المتعاقبة. هذا اضافة الى ان المبالغ التي يقر قانون الموازنة على تدويرها الى السنوات اللاحقة، لم يتم تحديدها بدقة ولم تتم الإشارة اليها في الموازنات اللاحقة ، ولم يحدد مجال استخدامها، ولم تتم متابعة تنفيذها.
إن عدم ارتباط الموازنة بأهداف ومؤشرات الاقتصاد الكلي، مثل الناتج المحلي الإجمالي ومكوناته ، وميزان المدفوعات، والميزان التجاري، ودور القطاعين العام والخاص فيهما، يجعل من المستحيل متابعة تأثير النفقات العامة على مستوى معيشة المواطن العراقي والفقر والبطالة. كما أن عدم وجود حسابات التدفق النقدي للموازنة العراقية يجعل من الصعب متابعة الموارد المالية واستخداماتها.