حسين علي الحمداني هل نحن جاهزون لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق ؟ وكيف يمكننا أن نثبت هذه الجاهزية ؟ وحدها الأسئلة تطرح نفسها كلما اقتربنا من نهاية عام 2011 دون أن نجد ثمة إجابات قاطعة من شأنها أن تجعلنا نطمئن أكثـر فأكثـر . والجاهزية ينظر إليها البعض على إنها تتعلق بتسليح الجيش وكفاءته دون أن تشمل هذه الكلمة مجالات أخرى أخطر بكثير من الملف العسكري الصرف،
لم يسأل أحد هل نحن نمتلك الجاهزية الثقافية لأن نتعايش سلميا ؟ وهل نمتلك الثقافة الديمقراطية التي تؤهلنا لأن نبتعد عن الصراعات السياسية ؟ والأهم من هذا وذاك هل صنعنا مجتمعا متسامحا ؟ وهل وثقفا علاقاتنا مع الجوار العراقي ؟ تبدو أسئلة كثيرة تدور جميعها في محور ينظر إليه الجميع بحساسية مفرطة دون أن تتم صياغة وجهات نظر ترضي الأطراف كلها.العراق من حيث المبدأ ونظريا جاهز وبكامل الاستعداد لإدارة نفسه بنفسه نهاية هذا العام ، وعندما نقول هذا نستند لجملة من المعطيات على أرض الواقع، في مقدمتها وجود أكثر من مليون عسكري يديرون الملف الأمني بشكل أفضل مما كان عليه في السنوات الماضية وباتت لديهم القدرة الكاملة والخبرة المتراكمة في التعامل مع الإرهاب وفلوله لدرجة ربما لا نبالغ إن قلنا بأن المجاميع الإرهابية باتت تخشى القوات العراقية أكثر من خشيتها من القوات الأمريكية، وهذا لا يعني بأن القوات العراقية تتعامل بقسوة معها بقدر ما يمثل تنامي حقيقي في قدرات هذه القوات واندفاعها وأحيانا فدائيتها وبطولتها في الإجهاز على أوكار الإرهاب أينما كانت ، وهذه حقيقة يجب أن نشيد بها ، خاصة وإن القوات الأمنية كانت مسؤولة عن ملفات حفظ الأمن في مناسبات عدة كالانتخابات والمناسبات الدينية وغيرها .الشيء الآخر فإن البلد الآن ديمقراطي تعددي فيدرالي ، يحكم وفق دستور وأنظمة وقوانين تراعي مبادئ كثيرة في مقدمتها حقوق الإنسان ، واحترام الرأي والرأي الآخر ،وترسيخ قوي لمبدأ الديمقراطية وممارستها في أكثر من مرة وأعطت نتائج ربما تكون جيدة في مرحلتنا هذه ومن شأنها أن ترتقي لما هو أفضل من هذا في الدورات القادمة .الجانب الثالث يتمثل بولادة مؤسسات الدولة ، هذه الدولة التي تبخرت في أبريل/ نيسان 2003 ليبدأ بناء مؤسسات الدولة الجديدة بشكل ربما أصابه بعض التشوه في حلقاته الأولى ، إلا إن هذه التشوهات بدأت تزال تدريجيا وأصبح للعراق قضاء مستقل ، هيئة نزاهة ، مفوضية انتخابات ، وغيرها من مقومات بناء الدولة الحديثة .الأهم من هذا هو ولادة وعي مجتمعي جديد يؤمن بالديمقراطية وينبذ العنف ويبتعد عن كل ما من شأنه أن يقوّض المنجزات التي تحققت في بلدنا وقد لمسنا ذلك بوضوح في انتعاش مهرجانات كالمربد ومعارض الزهور ومعارض الكتاب التي شملت أكثر من محافظة بما فيها محافظات ما زال البعض يطلق عليها تسمية ساخنة ( ديالى مثلا ) وغيرها، وهذه ما كانت لتحصل لولا توفر الأجواء الأمنية الجيدة ووعي المجتمع وتعامله معها، على إن هذه المهرجانات والملتقيات هي الحياة الطبيعية التي يجب أن يعيشها الشعب العراقي بعد أن يغادر حقبة الإرهاب بكل أشكاله بما فيها حقبة البقاء تحت وصايا الاحتلال .الشعب العراقي جاهز لأن يحتفل بجلاء آخر أمريكي ساهم في إسقاط النظام الشوفيني ، ولكن السؤال هل القوى السياسية مهيأة لهذا ؟ هذا هو التحدي الذي يواجهنا في معضلة الانسحاب من عدمه ، فالشعب موحد، لكن القوى السياسية غير موحدة في هذا، فالبعض يرى ثمة جاهزية كبيرة نمتلكها وهذا يمثل رأي الأغلبية السياسية والشعبية في نفس الوقت ، بينما يرى البعض الآخر بأن العراق غير جاهز لهذا ولهم في تبريراتهم ما قد يجعلنا نقلق فعلا خاصة وإن الرافضين للانسحاب هم الأقرب لأمريكا , وبالتالي فإنهم يصرحون وفق رغبة تتعارض أحيانا مع رغبة وتطلعات الأغلبية السياسية والشعبية .ما يمكن أن نقوله ونؤكده أن الوضع الإقليمي الآن يختلف كثيرا عن عام 2010 وما قبله ، وهنالك موجة تغييرات جيوسياسية كبيرة في المنطقة العربية، وهذه التغييرات في النظم وأساليب الحكم من شأنها أن تجعل العراق محاطا بدول ديمقراطية وليس ( ذئاب ) كما كانت في الأعوام السابقة ، دول ستعكف على الأقل في دراسة ملفاتها الداخلية ومعالجة أزماتها مع شعوبها، وبالتالي فإن ما يمكن أن يشكل خطرا كبيرا على وحدة واستقرار العراق عبر التدخلات الخارجية لهذه الدول في شؤونه بات بعيدا نوعا ما وخارج حسابات هذه الدول نفسها ، وربما لمس المتابع للشأن العراقي من خلال الخطاب السياسي والإعلامي لبعض القوى السياسية العراقية والتي وجدت نفسها بدون غطاء إقليمي في مرحلة ما بعد الثورات والاحتجاجات العربية .لهذا فالمطلوب الآن بأن تكيف القوى السياسية نفسها على أن تكون مع الشارع العراقي الراغب برحيل القوات الأمريكية وأن تتعامل بجدية بعيدا عن المخاوف التي ظلت تهيمن على أداء بعض الكتل السياسية التي أحاطت كل توجهاتها وفق نظرية (عدم الثقة بالآخر)، وهذا ما انعكس سلبا حتى على سن وتشريع القوانين المهمة للشعب العراقي .النخب السياسية عليها الآن أن لا تجر الشارع العراقي لمخاوف تصطنعها ، بل عليها أن تكون مع الشارع العراقي فربما تبدد مخاوفها أو بعض ظنونها الناجمة من (عدم الثقة). الشعب العراقي يريد تنفيذ ال
الانسحاب الأمريكي.. معطيات الواقع ومخاوف البعض
نشر في: 25 إبريل, 2011: 07:48 م