أوس عز الدين عباسدخلت الدول المتقدمة ثورة جديدة في مجالي العلم والتكنولوجيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، في حين بقيت الدول المتخلفة بعيدة من ثورتها الأولى ، وظلت تعاني التخلف العلمي والتكنولوجي معا ، وتكتفي الآن بجمع ماتوفره مائدة الدول المتقدمة من فتات العلم والتكنولوجيا ، ولو بأغلى الأثمان ، ودون أن يكون ذلك بالضرورة متلائماً مع بناها الاجتماعية والاقتصادية والبشرية،
وقد عجزت هذه الدول حتى الآن عن رسم سياسة وطنية عقلانية وواضحة المعالم بالنسبة لما يجب وما يمكن الحصول عليه من علم وتكنولوجيا من الخارج ، وما لا يجب ولا يمكن الحصول عليه عن طريق الاستيراد . وتتصف التكنولوجيا في الدول النامية بالبدائية والازدواجية معاً، فالتكنولوجيا تكون بدائية مادامت المعدات والأساليب الإنتاجية المستخدمة لم يطرأ عليها تغيير أو تحسن يذكر منذ زمن بعيد ، ويتوارثها الناس جيلاً بعد جيل ، وهذا هو الحال في جزء من القطاع الزراعي الموجه لإنتاج السلع التي تلبي الطلب المحلي ، أما في القطاعات الموجهة للتصدير ، فقد أدخل المستثمر الغربي منذ أيام الاستعمار القديم التكنولوجيا الحديثة في مجالات التعدين واستخراج النفط وتكراره ، وإنتاج المطاط الطبيعي والبن والشاي والكاكاو وغيرها ، ونلاحظ الآن إن معظم الشركات الأجنبية ، إما أنها لا تزال مسيطرة على بعض هذه النشاطات ، أو إن حكومات الدول النامية قد أخذتها على عاتقها ، وفي الحالتين فإن التكنولوجيا المستخدمة الآن هي تكنولوجيا مستوردة .وبالإضافة إلى القطاع الأولي الموجه للتصدير ، فقد حاولت بعض الدول النامية إقامته في العقود الثلاثة الأخيرة كتكنولوجيا كثيفة ومعقدة ، إما أن تكون بدائية أو حديثة ومستوردة في الغالب من الدول المتقدمة .ويمكن للتكنولوجيا أن تكون مجسدة أو خشنة ، ويمكن أن تكون غير مجسدة أو ناعمة ، فالتكنولوجيا المجسدة تتجسد إما في رأس المال البشري ، أو في المعدات والآلات والتجهيزات الرأسمالية ، وكذلك في السلع الاستهلاكية المعمرة ، أما التكنولوجيا غير المجسدة فلا تأخذ أشكالا مادية ، وإنما تتمثل في المعرفة المتعلقة باستخدام وصيانة وتوطين وتطوير التكنولوجيا المجسدة ، وتحويل خلاصات البحوث العلمية المبتكرة إلى تطبيقات علمية وعملية مفيدة في النشاطات الاقتصادية والاجتماعية .وأهم القنوات التي يتم نقل التكنولوجيا من خلالها من الدول المتقدمة إلى الدول النامية ، هي القنوات المرتبطة بنشاطات الاستيراد والاستثمارات الخارجية المباشرة ، وبراءات الاختراع والعلامات التجارية وغيرها ، ومن الواضح أن الآلات والمعدات والمصانع الجاهزة ، والكثير من السلع الاستهلاكية التي تحصل عليها الدول النامية من الخارج تتجسد فيها إلى حد بعيد التكنولوجيا التي أنتجت فيها ، أما القنوات الأخرى التي يتم من خلالها نقل التكنولوجيا ، فتدخل من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الدول النامية ، إلا أن الكثير من الدول النامية أخذت، في يومنا هذا، تفضل أسلوب المشاركة مع شركات استثمارية أخرى ، وأسلوب المشاركة هذا يتم عادة بين شركة عالمية معروفة وطرف محلي في دولة نامية ، ويمكن أن يكون الطرف المحلي تابعاً إلى حكومة الدولة النامية نفسها ، أو إحدى مؤسسات القطاع الخاص ، والطريق الثالث الذي يتم بموجبه نقل التكنولوجيا في الوقت الحاضر فيكون على شكل عقود وتراخيص وبراءات اختراع وعلامات تجارية بين شركة أجنبية وبين شركة محلية خاصة أو عامة ، ومن أهم قنوات نقل التكنولوجيا في يومنا هذا ، هي القناة المتمثلة بالخدمات التي تقدمها بعض المكاتب والشركات الاستشارية العالمية.وسواء تم نقل التكنولوجيا عن طريق الاستيراد المباشر ، أو من خلال الاستثمار المباشر في الدول النامية ، والذي يأتي في معظمه على أيدي الشركات الأجنبية ، أو من خلال المكاتب والشركات الاستشارية ، أو من خلال هذه القنوات معا ، فإنه من الواضح أن السوق الدولية للتكنولوجيا هي أقرب ما يمكن وصفها بسوق احتكار القلة ، والمتمثلة في وجود عدد قليل من الشركات المحتكرة للمعرفة التكنولوجية ، ومثل هذه السوق تقوم على أساس المساومة بين طرفين غير متكافئين بحيث تأتي النتيجة لمصلحة الطرف الأكثر معرفة بظروف السوق ، وهذا يعني أن (( الصفقة التكنولوجية )) تكون عادة لصالح الشركات العملاقة في العالم المتقدم ليس إلاّ .
قنوات نقل العلم والتكنولوجيا.. وأسلوب المشاركة بهما..
نشر في: 26 إبريل, 2011: 05:39 م