حسين عبد الرازق الأزمة القائمة الآن في عدد من المحافظات عقب التعيينات للمحافظين الجدد في بعض المحافظات، سواء تلك التي أخذت بعدا طائفيا بغيضا في قنا أو التي ركزت على انتماء المحافظين الجدد للنظام القديم والحزب الوطني أو جهاز الشرطة ومباحث أمن الدولة في المنيا والدقهلية وبني سويف وأسوان والإسكندرية، وبعيدا عن التفصيلات هي أزمة غياب الديمقراطية وعيوب نظام الإدارة المحلية القائم في مصر منذ ستينيات القرن الماضي.
ونقطة البداية في فهم الأزمة أدرك أن النظام القائم في المحافظات هو نظام للإدارة وليس حكما محليا، وبالتالي هو خاضع سياسيا وإداريا وماليا وتنفيذيا للسلطة المركزية في القاهرة، وفي ظل غياب الديمقراطية في المجتمع ككل تغيب تماما من باب أولى عن التوابع، أي عن المحليات.فالمحافظ - طبقا للقانون القائم - يصدر قرار من رئيس الجمهورية بتعيينه، ويعتبر ممثلا لرئيس الجمهورية في المحافظة، وقد جري العرف في العقود الأخيرة على اختيارهم من خارج جهاز الإدارة المحلية، وتحديدا من ضباط القوات المسلحة الذين تقرر تركهم الخدمة العسكرية ومطلوب مكافأتهم بوظائف مدنية، ومن ضباط الشرطة ومباحث أمن الدولة الذي تنطبق عليهم نفس الظروف، ومن أعضاء الهيئات القضائية وأساتذة الجامعات، وكقاعدة عامة كان لواءات القوات المسلحة يتولون أساسا ما يسمى بالمحافظات الحدودية وكأنها خاضعة للحكم العسكري! كما كان هناك حرص على اختيار لواءات شرطة «مباحث أمن الدولة غالبا» في محافظات بعينها توجد بها مشاكل ترى السلطة أن مواجهتها تتم بالأمن وليس السياسة!ومديرو التعليم والصحة والإسكان.. إلخ، من أعضاء المجلس التنفيذي للمحافظة هم موظفون تنفيذيون يختارهم ويعينهم الوزير المختص في القاهرة ويتبعونه عمليا.وميزانية المحافظة جزء من الميزانية العامة للدولة وأبواب صرفها محددة مركزياً.والمجالس المحلية الشعبية «المنتخبة» - 1720 مجلسا يبلغ عدد أعضائها 54 ألف عضو - إضافة إلي تزوير انتخاباتها، وبالتالي هيمنة الحزب الوطني عليها بنسبة تتجاوز 99%، فكل قراراتها مجرد توصيات غير ملزمة للمحافظ أو المجلس التنفيذي، ولا يملك أعضاء المجالس المحلية الشعبية توجيه استجواب للمحافظ أو سحب الثقة منه.وتشكل المحليات قاعدة مهمة للفساد المالي والإداري والسياسي ويلعب أعضاؤها دورا أساسيا في تزوير الانتخابات والاستفتاءات العامة مع جهاز مباحث أمن الدولة.وحل مشاكل المحافظات لن يتحقق إلاّ في ظل تحول ديمقراطي حقيقي في مصر، يبدأ بانتخاب جمعية تأسيسية في انتخابات حرة نزيهة «شروطها معروفة ومحددة» تتولى وضع دستور جديد، وإلغاء حالة الطوارئ والقوانين التي تنتهك الحريات العامة وحقوق الإنسان وتحرير الإعلام والصحافة القومية، وإصدار قانون جديد للحكم المحلي يعطي سلطات حقيقية للمحافظين وأعضاء المجالس التنفيذي للمحافظة وحرية في توزيع بنود الموازنة ورقابة حقيقية للمجالس المحلية الشعبية المنتخبة، وأن يتم انتخاب المحافظين، أما من المجلس الشعبي المحلي للمحافظة الذين يملك إقالته وسحب الثقة منه أو بالانتخاب المباشر من ناخبي المحافظة، وذلك حسب النظام الذي سيقرر في مصر، سواء كان نظاما برلمانيا أو رئاسيا، وفي جميع الحالات لابد من إلغاء عسكرة الإدارة المحلية في مصر.
أزمــة محافظــين.. أم أزمــة نظــام؟
نشر في: 27 إبريل, 2011: 05:57 م