TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > جارك يا وطن

جارك يا وطن

نشر في: 17 ديسمبر, 2012: 08:00 م

لي صاحب عهدت به الصبر على ما هو اثقل من الحديد وأمر من الحنظل. مدرسة في قدرته على تحمل ما يواجهه من مصاعب. كان كذلك مذ كنا في العراق، وبقي كما هو  في ايام المنافي. فاجأني قبل عام تقريبا حين شكا لي نفاد صبره! خير؟ لم اعد اتحمل جاري بعد اليوم وكفاني ان تحملته اربع سنوات. قلت لك من زمن بعيد أن ارحل عن دارك واترك هذا الجار الذي اعرفه اكثر منك. قال لي انه صبر عليه بأمل ان الايام أن ستغير سلوكه. جار صاحبي عراقي ايضا، وصاحبي يرى انك لو حصلت على جار من "طينتك" فتلك نعمة في الغربة تستحق الصبر والتحمل. المهم في الامر ان صاحبي، لأول مرة، يقتنع بانه للصبر حدود.
طلب مني ان أساعده في البحث عن سكن جديد. وفي صباح اليوم التالي التقينا عند مكتب للعقار قريب من سكني، اعرف مديره. ومن بين ثلاثة بيوت شاهدناها وقع اختياره على واحد، لكنه كان خائفا ان يكون جاره الجديد مثل السابق. ترجمت مخاوف صاحبي لمدير المكتب فابتسم وقال لي: محلولة!
شرح لنا المدير ان هناك قانونا صدر قبل سنوات في بريطانيا يلزم من يبيع داره ان يقدم كشفا للمشتري عن سلوك جاره والمشاكل التي دارت بينهما. واخفاء اي معلومة تخص المشكلات مع الجار تعود بعواقب وخيمة على من أخفاها. صاح صاحبي: اوادم. نعم هم كذلك يا شيخ الصبر الذي نفد أخيرا. قرر صاحبي  ان يشتري الدار وهو مطمئن لأنه سيعرف الجار قبل الدار، وتمت عملية الشراء على خير.
 قبل اسبوعين التقيته فوجدته قد عاد كما كان. مرتاح البال لا يشكو ولا يئن. سألته عن بيته وكيف حاله مع  جاره الجديد فاخبرني أن داره وجاره بخير. حتى صحته بدت لي أفضل، فسألته ان كان قطع التدخين او صار يمارس الرياضة، فاخبرني ان لا هذا ولا ذاك بل انها نتيجة التخلص من جار السوء. وكلام من هنا وآخر من هناك انصب حديثنا عن الجار و"الجوراين" بالعراق في أيام الخير، وكيف يهتم العراقيون اهتماما خاصا بالجار فيقولون: الجار قبل الدار، والجار لو جار، والجيران أحسن من الأهل. و"الجيرة" قيمة اجتماعية تحتل مكانة متقدمة في سلم القيم الاجتماعية عند العراقيين. ومن محبتهم للجار واهتمامهم به ورد اسمه كثيرا في اغاني العراقيين:
"جيرانكم يهل الدار والجار حقه اعله الجار" و"طالعه من بيت ابوها رايحه البيت الجيران" و "ليش ليش يا جارة متردين الزيارة؟" وسعدي الحلي يشكو لامه: جيران نزلوا بالطرف يا يمه احبهم. وناصر حكيم يهدد: لبجي وشيل الجار من ولم كلبي.
خلصنا الى ان تعيس الحظ من يحظى بجار أحمق، والمحظوظ عكس ذلك تماما. تحسر صاحبي وقال لي لو احكي لك ما فعله بي جاري السابق لعرفت كم أني سيئ الحظ. لا تحزن يا صديقي لانها مرحلة وانتهت لكن ما بالك بمن يحيطه اكثر من جار سيئ ولا يستطيع الرحيل؟ وليش ما يشيل؟ ما ممكن. يا اخي يسوي مثل ما سويت؟ قتلك ما ممكن. ومنو هذا؟
العراق يا صاحبي الذي ابتلاه القدر بجيران ما ابتلي بمثلهم وطن قبله ولا بعده.
قال شاعر:
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي
ولم يعلموا جارا هناك ينغّص
فقـلت لهـم:  كفـوا الملام فانما
بجيرانها تغلو الديار وترخص

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المحافظات التي عطلت الدوام الأحد بسبب الأمطار

تأجيل 4 مباريات في الدوري العراقي بسبب الأمطار

خامنئي يرد على ترامب: لن نفاوض تحت الضغط

قائممقام القائم: الحدود العراقية السورية مؤمّنة بالكامل ولا تهديد للأمن الوطني

تركيا تحذر من تحول أحداث اللاذقية إلى تهديد للسلام في سوريا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

العمود الثامن: ألف حزب وحزب

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

 علي حسين ينظر المواطن المسكين مثل جنابي الى بلده العراق ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار العصر، فارتدّ بهمّة خطب سياسييه، إلى الوراء، إلى مجرد احزاب سياسية تضحك...
علي حسين

كلاكيت: كيليان مورفي وأشياء صغيرة كهذه

 علاء المفرجي مثل مواطنه دانيال دي لويس، جاء الممثل الايرلندي "كيليان مورفي" الى السينما من بوابة المسرح، ومثل لويس تماما كتب أسمه بحروف ناصعة بين ممثلي السينما الكبار منذ أول دور له، حتى...
علاء المفرجي

الصوم.. في التحليل السيكولوجي

د.قاسم حسين صالح انشغل علماء النفس بدراسة الصوم بيولوجيا وسيكولوجيا وانتهوا بموقفين متضادين: ألأول، يتبناه كتّاب وأطباء نفسانيون عرب،يرون ان الصوم يؤدي الى انخفاض مستوى الجلوكوز في المخ،فينجم عنه اضطراب في عمل الدماغ، واختلال...
د.قاسم حسين صالح

إرباك هائل بسبب دراسة خاطئة

إبراهيم البليهي ليس أسهل من دفع الناس في اتجاه الخطأ خصوصا إذا خوطبوا باسم العلم والبحث العلمي وتم تخويفهم بأن صحتهم في خطر.. ففي عام 1951 نشر الباحث الأمريكي أنسيل كيتس دراسة زعم أنه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram