نورا خالد – محمود النمر تصوير ادهم يوسف1925هي سنة ميلاده في مدينة (السماوة) وبين تأريخ ولادته واستقراره في بغداد سنة 1933 كانت طفولته تنتقل بين مدن الجنوب (قلعة سكر) (وبدرة) و (الحلة) وبعينين منفتحتين شاهد البؤس والفاقة بين سكان الجنوب بشكل عام وشاهد ذلك مباشرة مرتسمة على وجوه أقرانه في المدرسة وفي الشارع الذي يسكنه.
وسمع صرخات الاحتجاج المكبوتة في نداءات الباعة وما خلف هذه النداءات من قلق على الحصول لقوتهم اليومي، وسمع غناء المغنين يتعالى ليبدد حجب الليل وسكونه ويستمر حتى الفجر، يسأل عن كل هذه الظواهر فيجيبونه انهم يحيون حفلاً لزواج احد أبنائهم أو صديقاً لهم او ابن محلتهم لا يقنعه هذا الجواب ويفكر ان هناك شيئاً أعمق من ذلك ويندرج ضمن حالة احتجاجية على الواقع الذي يعيشونه، ان ما سمعه يظل ضمن خزين ذاكرته ليضيفه الى كفاح هذا الشعب.rn هكذا اختزنت ذاكرة الفنان فيه الشيء الكثير من الموروث والتراث وتعاملت معه بصدق وحساسية مرهفة لهي جديرة بصاحبها ان يكون احد رواد الحركة التشكيلية العربية ومفكريها القلائل. في طفولته كان متفوقاً على أقرانه في الرسم، وكان يتلقى التشجيع والدعم من أبيه الذي كان يخرجه معه ويحدثه عن الرسم ويحثه ان يرسم بعض المشاهد في (المقهى) أو (الخيول) و (التماثيل المتنوعة) ويقول في ذلك" اعتقد ان والدي – رحمه الله – كان استاذي الفني الأول لأنه كان يصطحبني معه في بغداد للجلوس في مقاهي منطقة الصالحية في كرادة مريم وهي مقاهٍ محاطة بتمثال فيصل الأول، وكان يطلب مني رسم التمثال او رسم تمثال الجنرال مود، وكان أيضاً يرسم لي مستقبلي بسليقته الشعبية تخطيطات للخيول، وكان مولعاً باقتنائها فيما مضى. لقد تمسك بالتراث وأصر على أن يكون متجدداً ومتفرداً في خضم التيارات العالمية والحركات الفكرية التي تظهر بين الحين والآخر، انه يستبق الزمن.ويطرح نفسه كمفكر يحمل عملية تزاوجية بين التصوف وهموم الفن التشكيلي بأحدث ما وصلت اليه المدارس والأساليب المتعددة ويصر ان يكون طليعياً في ذلك، لذا وصف بأنه مفكراً عربياً سد كل الثغرات في الكتابة عن الفن التشكيلي. اذن ما هو التغير الذي طرأ على حياته وتمسكه بالعملية التزاوجية بين التصوف والفن التشكيلي؟ لقد كانت حياته اعتيادية وكأي شخص موهوب يريد أن يسلك طريق الفن لصقل موهبته، في دار المعلمين العليا اثناء دراسته سنة 1947 يتعلم الرسم بالزيت على يد زميله فريد يوسف نانو وفي سنة 1949 ينتسب الى معهد الفنون الجميلة القسم المسائي رغم المصاعب التي يلقاها من جراء السفر بين بغداد وبعقوبة التي عين فيها مدرساً للرسم في مدارسها وكان يعود في الليل في القطار قاطعاً مسافة 45كيلو متر في هذا الجو الملبد بالغيوم ونحو الوعي الاجتماعي وتفجر الطاقات لشعب ينشد الحرية والاستقلال التام من نير الاستعمار الانكليزي يتحدث شاكر حسن ال سعيد فيقول " كانت بغداد أشبه ببركان قابل للانفجار كانت ((الوثبة)) ضد الاستعمار الانكليزي في 1948 قد تحدث وعيناً اجتماعيا وشددت مطالبتنا بالحرية والحياة الجديدة. الى التزامنا الاجتماعي والانساني تملكتنا رغبات وقناعات بضرورة التغيير، بضرورة الحداثة. هكذا جمعتني تلك السنوات ببدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وجبر ابراهيم جبر وبلند الحيدري كنا نلتقي مساءً في (مقهى ياسين) بين السادسة والثامنة مساءً مع الموسيقي فريد الله وردي والشاعر الراحل حسين مردان والصحفي الراحل عبد الحميد الونداوي ونهاد التكرلي.كانت ايام البحث والتقصي والعمل المتواصل للوقوف على مديات الحضارة السومرية والبابلية والاسلامية لبلاد ما بين النهرين. كانت محاولات الاسلوبية تجمع بين المؤثرات الحديثة في الفن الأوربي من تكعيبية ووحشية وتعبيرية والمؤثرات الحضارية العراقية والعربية ثم ما لبثت رسوماته في نهاية الخمسينيات تنحاز بصورة حازمة الى النزعة التجريدية،لكيما تتمثل خصوصاً في التجريدية اللاشكلية في عام 1956 عالم التحولات وعالم الصعود وعالم المعرفة وعالم التصوف هذا الفتى الريفي الذي يحمل كل خصائص أهل الجنوب وكل معتقداتهم كان عليه أن يسلك طريقاً واحداً من أثنين، الأول الولوج في داخل الحضارة الأوربية والغوص فيها ومعرفة خفاياها وبالتالي إدراكها وتبينها كما فعل البعض والثاني هو العودة الى تراث بلاده والالتزام به والسير باتجاه التطور ضمن هذه الحداثة، هذا اذا كان الموضوع ثقافياً وتشكيلياً ولكن لا هذا ولا ذاك، لقد كان الموضوع سلوكياً لا ثقافي ولا تشكيلي لذلك كان واضحاً عندما اختار الطمأنينة والسلام والهدوء في التدين وذهب بعيداً عن الفكر الوجودي السائد في فرنسا آنذاك ويقول في تلك الفترة ((في باريس اتضح لي ان الفكر الوجودي. وقد كان الفكر السائد فيها بعد الحرب العالمية الثانية –عاجز عن تبرير نفسه – لم أستطع تحمل مسؤولية اختيار مواقف الانسانية –وهو ما تقول به الوجودية حيث وجدت ان قوى خارجية هي خارجة عن ارادتي تتحكم في مصيري بشكل مذهل وغير منطقي)) لم يؤثر هذا التصوف ومعاناته الروحية على فنه، فقد قدم لنا فناً سلك فيه منحاً آخر وهو اختزال الأشكال الى دلالات محدودة المقاصد (انه الفن الص
بيت المدى يحتفي بصاحب البعد الواحد ..شاكر حسن ال سعيد.. فيلسوف التشكيل العراقي
نشر في: 29 إبريل, 2011: 08:06 م