TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > يا زارع البعرور

يا زارع البعرور

نشر في: 17 ديسمبر, 2012: 08:00 م

      في زمن الاصرار على التخلف  ورفض مغادرة الجهل  يجد النصابون  الاجواء مناسبة وملائمة لتحقيق مآربهم، وهذه الظاهرة غادرتها المجتمعات المتمدنة منذ قرون ، لكنها في المنطقة العربية  مازالت سائدة ، وخطورتها تكمن في سعي  قوى  تعتقد بانها تمتلك النفوذ والتاثير في شرائح واسعة من المجتمع  لتحقيق مكاسب  آنية أو بعيدة المدى ، تندرج ضمن الاستعداد لخوض الانتخابات. والشواهد في الساحة العراقية في اطار هذه المسعى كثيرة ، وما يؤشر عليها انها في كثير من الاحيان  تتجه الى مخاطبة العواطف  والانتماءات  مذهبية كانت او قومية لضمان اصوات الناخبين. وخلال حملات التنافس  الانتخابي طالما  اعترض كيان او قائمة على هذا التوجه باصدار بيان يتضمن التمسك بضوابط السلوك الانتخابي .
    في زمن بعيد غامر احدهم بخوض تجربة  يهدف من ورائها الحصول على  مكاسب شخصية لا تتعدى ضمان توفير الطعام والاقامة ، ولكنه احتفظ بتطلعاته  الاخرى في الحصول على زوجة بعد نجاح مشروعه  في اقناع  المعجبين باحاديثه  ومشروعه المستقبلي في زرع البعرور  ثم حصد الغنم . مضت الايام والرجل  يعيش في بحبوحة  في ظل نشاط واضح شارك فيه الرجال والنساء والاطفال لتنفيذ فكرته ، وحينذاك شعر ان  الصفحة الاولى من مشروعه المستقلبي  تمت بنجاح ساحق ، فبدأ يخطط لصفحات اخرى باعتماد حيل جديدة تنطلي على عقول صغيرة  تركت اعمالها ونشاطاتها  وتوجهت لجمع البعرور .
قبل حلول موسم حصد الاغنام بحسب ادعاءات  صاحب فكرة زرع البعرور ، وفي لحظة الرجوع الى العقل والنظر الى الامر من زاوية الشك ، توجهت شابة الى رجال قومها وخاطبت عقولهم  بالسؤال: هل زرع اجدادكم او غيركم البعرور  وحصدوا الغنم ؟  وهل فيكم  من سمع بهكذا معجزة  حصلت في مكان اخر؟ خلّف كلام الشابة تساؤلات ، وحفز العقول على مراجعة قناعاتها ، وعندما  ادرك صاحب الفكرة  ان احباط مخططه بات وشيكا  لان  اصحابه قرروا اخيرا  العودة الى عقولهم ، دعاهم الى استخدام الصوف سمادا لزرعهم ، وبين رفض وقبول  للدعوة الجديدة  جمعت الشابة الاطفال وقادت "تظاهرة احتجاجية تطالب برحيل زارع البعرور. في الايام المقبلة ومع بدء العد التنازلي لاجراء انتخابات  مجالس المحافظات والاقضية،  وفي حمى التنافس سيتجه بعض المرشحين لاستنساخ زارع البعرور ليبدأ نشاطه في اماكن  معينة تستجيب  لدعواته والاعيبه برفع شعارات  تحمل الوعود في الحصول على وظيفة حكومية ، والقضاء على البطالة وتحسين الخدمات ،  ونصرة المظلومين ، ورعاية الايتام والارامل بمنحهم رواتب الرعاية الاجتماعية ،  وربما تنطلي هذه اللعبة على البعض ، فيما  يراها اخرون انها اكذوبة قديمة غير صالحة للاستخدام في الوقت الحاضر.  في الدورة التشريعية السابقة  اقر مجلس النواب نظام السلوك الانتخابي ، لكن  معظم القوائم لم تلتزم بنصوصه، فمفوضية الانتخابات ليست لديها الاليات ووسائل المراقبة الكافية لرصد مخالفات التنافس، وانما تعتمد على شكاوى الاخرين ، وليس من صلاحياتها ان تمنع نشاط زارع البعرور  بالدعاية لقائمة محددة قد وفرت في وقت مبكر اعدادا كبيرة من الطليان  لاعداد ولائم في مؤتمراتها الانتخابية. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

انكسار المستقلين: 40 نائبًا من أصل 60 يسقطون رغم التحالف مع السلطة

لا فيتو كردي على مرشّح رئاسة الوزراء والتحالفات يحددها تنفيذ الاتفاقات

النزاهة: استرداد 51 مطلوباً بالفساد من الخارج

"تذكار": حوار الذاكرة والرمزية بين جزي وفاخر في رحاب عمّان

70 % من إنتاج نفط العراق يعتمد على شركات أجنبية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جائزة الجوائز

العمود الثامن: لماذا خسرت القوى المدنية ؟

العمود الثامن: مع الاعتذار لعشاق الانتخابات !!

عندما يجفُّ دجلة!

الأقليات وإعادة بناء الشرعية السياسية في العراق: من المحاصصة إلى العدالة التعددية

العمود الثامن: ماذا حـدث؟

 علي حسين قالها صديق عاد إلى الوطن بعد غربة طويلة.. سألني: لماذا أصبحت الهوية الطائفية حاضرة بقوة هذه الأيام؟ هل لأنّ هناك خطراً على الشيعة، أم أن السـُّنة يتعرضون لحملة اجتثاث؟ كانت أسئلته...
علي حسين

تحالف القضية الإيزيدية: خطوة أولى نحو تحالف وطني يتجاوز المكوناتية

سعد سلوم هل يمثّل فوز تحالف القضية الإيزيدية ولادة قوة سياسية جديدة للأقليات في العراق؟ وهل نجح الإيزيديون، عبر هذه التجربة، في إعادة تعريف التمثيل السياسي الذي ظل لعقود حبيس الكوتا والتجاذبات الحزبية؟ وهل...
سعد سلّوم

مرشّح التسوية: حين يتحوّل الانسداد السياسي إلى تقليدٍ لإنتاج الحكومات

محمد علي الحيدري باتت التجربة العراقية، عبر دورات انتخابية متعاقبة، تؤكّد معادلة ثابتة تكاد تُختصر بجملة واحدة: رئيس الوزراء الأكثر حظاً ليس صاحب الكتلة الأكبر، ولا زعيم القائمة التي تتصدّر النتائج، بل هو «مرشّح...
محمد علي الحيدري

قسوة الأرقام... والذكاء الاصطناعي

غسان شربل قالَ السياسيُّ العربيُّ إنَّه يشعر بالاستفزاز كلّما قرأ عن الذكاء الاصطناعي والتغييرِ المذهل الذي سيُدخلُه في حياة الدول والأفراد. والاستفزاز ليس وليدَ شعور بالصدمةِ من تغيير هائلٍ يقترب ولن يتمكَّنَ أحدٌ من...
غسان شربل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram