كاظم حبيبعاش الشعب المصري خلال الأشهر والأسابيع المنصرمة، كما يعيش هذه الأيام وسيعيش الأسابيع والأشهر المقبلة في أجواء من الحراك والزخم الثوريين المستمرين اللذين يجسدان الرغبة العارمة والإرادة الفاعلة والتصميم الصارم على مواصلة عملية التغيير الشامل.
والنجاحات التي تتحقق يومياً على هذا الطريق تؤكد قدرة الشعب المنتفض، العائد إلى عمله اليومي الاعتيادي والمستعد للعودة إلى ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر في كل لحظة إن استدعت الضرورة، على تحقيق المهمات الكبيرة التي تواجه الدولة بسلطاتها الثلاث والمجتمع بكل مكوناته. ولم تكن هذه الانتفاضة الشبابية والشعبية عفوية بالمعنى المتداول والذي يتكرر كثيراً في هذه الأيام، سواء أكان ذلك في الصحف أم في وسائل الإعلام الأخرى أم في بعض أحاديث الناس، كما إنها لم تكن بفعل تخطيط مسبق من الأحزاب والكتل السياسية المعارضة للسلطة السياسيةالتحرّك الشعبي صوب التغيير سواء أكانت تلك التي قاطعت الانتخابات الأخيرة والمزيفة، أم التي شاركت بها بفعل مساومات سيئة عقدت مع الحزب الوطني الحاكم بأمل الحصول على عدة مقاعد في البرلمان كان من شأنها أن تفيد النظام بالادعاء بنزاهة الانتخابات وتساهم في تبرئة النظام من التزوير المفضوح والمخجل، كما حصل لحزب التجمع الوطني بقيادة الدكتور رفعت السعيد. لقد جاءت هذه الانتفاضة الاحتجاجية الشعبية التي فاجأت كل الأحزاب السياسية والقوى الحاكمة في آن واحد بعد سلسلة من:** التظاهرات والإضرابات المهنية والاعتصامات العمالية وقوى النقابات والجمعيات والاحتجاجات الشديدة على صعيد مصر كلها منددة بالبطالة والفساد والفقر وظلم الأجهزة القمعية كلها وتزوير الانتخابات. ونشير هنا بشكل خاص إلى الحركات السياسية والاجتماعية التي بدأت بشكل خاص منذ عام 2004، ومنها حركة كفاية التي رفعت شعار "لا للتمديد..لا للتوريث" لرئاسة جمهورية مصر العربية، وكانت تطالب بتعديل مواد في الدستور لتغيير أسس وأسلوب انتخاب رئيس الجمهورية، وكانت تضم أعضاءً من مختلف الأحزاب السياسية ومن المستقلين، إضافة إلى حركة 6 أبريل/نيسان 2006 العمالية التي شملت كل عمال النسيج ثم أسست حركتها النقابية المستقلة عن الاتحاد العام للعمال الرسمي في عام 2008. ** المذكرات الاحتجاجية التي كانت ترفعها الأحزاب السياسية المعارضة إلى رئيس الدولة والحكومة حول الوضع السياسي السيئ والمتدهور القائم في البلاد.** الكتب الكثيرة التي صدرت عن كُتَّاب وكاتبات في مصر والخارج كانت كلها تؤكد تدهور أوضاع الشعب والفجوة المتسعة باستمرار بين السلطة والشعب وعن السلبيات التي تميز النظام. كما يمكن متابعة ذلك من خلال مراجعة المجلات والصحف المصرية خلال السنوات العشر أو الخمس الأخيرة.** تقارير المنظمات الدولية حول الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والبطالة الواسعة والفقر الذي شمل مجموعات كبيرة من السكان والتي يمكن أن تشكل مؤشراً على رفض المجتمع للسياسة الاقتصادية والاجتماعية والفساد السياسي للنظام المصري.** تقارير منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني على الصعيدين المحلي والإقليمي والدولي التي كانت تؤكد على مصادرة حقوق الإنسان والحريات العامة والديمقراطية وعلى الأساليب القمعية التي تمارس ضد الأفراد والمجتمع وضد السجناء السياسيين وسجناء الحق العام، إضافة إلى تفاقم مظاهر الفساد والارتشاء في أجهزة الدولة والغنى الفاحش والنهب والسلب لأموال الدولة وعقاراتها من جانب الفئة الحاكمة وكبار مالكي وسائل الإنتاج.إن كل ذلك وغيره لم يجلب انتباه السلطة الغارقة في فسادها وتسلطها وقمعها الشعب في كونها تمارس إهانة كبيرة ومتواصلة لكرامة الإنسان المصري والمجتمع في آن واحد، مما وفر مستلزمات الانتفاضة الشعبية ونجاحها من الناحيتين الذاتية والموضوعية.فلو تتبعنا مسيرة الانتفاضة الشعبية لوجدنا إنها في البداية كانت قد توجهت ضد ممارسات وزير الداخلية حبيب العادلي وأجهزته القمعية والمطالبة بعزله ومحاسبته والتحقيق في قضية مقتل المواطن خالد سعيد في الإسكندرية، كما حصل قطع أذن المواطن المسيحي أيمن أنور لأسباب طائفية وفرض التنازل عن حقه بأساليب خبيثة وتحت التهديد بالقتل، ولكن كل ذلك وغيره قد تطور وتجلى بشكل أكثر وضوحاً وقوة في الشعارات الأساسية الثلاثة التي رفعها شباب الانتفاضة وهي:rn"الحرية - العدالة الاجتماعية - الكرامة الإنسانية".ولم يكن بينها أي شعار يدعو إلى إسقاط رأس النظام، محمد حسني مبارك، أو إلى إسقاط النظام، إذ كانت الخشية ما تزال تسيطر على أذهان الناس. ولكن السلوك المشين الذي انتهجه النظام في مواجهة مطالب الشبيبة والأساليب القمعية التي مارستها أجهزته بعد حمام الدم الذي أودى بحياة المئات من المواطنين العزل خاصة في يوم 28/يناير/2011 ارتفع بسرعة فائقة سقف مطالب المتظاهرين المحتجين الذين تجمعوا في ميدان التحرير للتوجه ضد ممارسات وزير الداخلية حبيب العادلي وأجهزته القمعية والمطالبة بعزله ومحاسبته والتحقيق في قضية مقتل المواطن خالد سعيد في الإسكندرية وسرعان ما اتجه الاحتجاج الشعبي ضد وجود رأس النظام، ومن ث
مـصـر: الصراعات المريرة وإصرار الشعب على التغيير (1-2)
نشر في: 1 مايو, 2011: 05:18 م