TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية : الدولة المستباحة في ولاية النجيفي..

الافتتاحية : الدولة المستباحة في ولاية النجيفي..

نشر في: 2 مايو, 2011: 09:49 م

فخري كريم

(9)

اقدر في رد السيد أثيل النجيفي محافظ الموصل على افتتاحية يوم الخميس  الماضي، والمنشور في هذا العدد من الجريدة،

التزامه لغة سياسية، لم تتكرس  بعد في لغة التخاطب بين السياسيين في العهد الجمهوري الجديد، وحرصه على أن  يعرض نفسه كمسؤول ديمقراطي لا يجد نفسه إلا بين المواطنين وفي تظاهراتهم.  ومثل هذا التخاطب بين السياسيين أنفسهم، ومع الصحافة ووسائل الإعلام، وبرغم  كل الإختلافات والتباينات،

هو تأكيد لنزوع ورغبة في تعميق التفاعل الديمقراطي والاحتكام الى لغة المنطق والحوار، بدلاً عن لغة السلاح والتصفيات الجسدية والانقلابات العسكرية ومصادرة الرأي وتغييب المخالف وتهميش دوره.

ليس لي إلا أن ابدي الاحترام لرغبة السيد أثيل في أن يكون الى صف المتظاهرين ويدعم طلباتهم ، ويشاطرهم هواجسهم وشكوكهم حول ما يجري في البلاد من سعي متعثرٍ لبناء دولة ديمقراطية يسودها القانون والعدالة الاجتماعية والمساواة، وتنتفي فيها كل أشكال وصيغ التمييز، وفي المقدمة منها التمييز الطائفي والمذهبي والقومي. ولكن من حقي عليه أن لا يتجاوز في رده، هواجسي وشكوكي حول نشاطه السياسي والخيارات التي يشدد عليها ويشجع أهالينا في الموصل الحدباء على العمل باتجاهها. فليس من شيَمي ومبادئ " الاشتراكية " و" الإنسانية " كما يغيب عن ذهن السيد النجيفي أن أعيّره او انتقص من شانه ، لمشاركته في مظاهرات أهل الموصل، كما لست ممن يعتبر تبني مطالب المواطنين أينما كانوا خللا وعيباً على " الزعيم "، مسؤولا كان في الدولة أم مناضلاً في صفوف المعارضة الحقيقية او المفترضة .

لقد كان السيد النجيفي في رده يعيدنا إلى مثال (ولا تقربوا الصلاة..)، فقد تمسك بجانب من كلامنا، ونسي أن يفسر سبب قبوله بالمشاركة في التظاهر تحت علم البعث "علم صدام حسين " الذي اقترف كل الموبقات والجرائم الفاشية باسمه وتحت لوائه ، وحمل مرسوم اعتماده ثلاثيته المتهرئة " وحدة حرية اشتراكية". وهو يعرف أن رفع هذا العلم بعد أن تم اختيار علم مؤقت جريمة يقاضي عليها القانون، وتزداد عقوبته بالنسبة لمسؤول رفيع مثل السيد النجيفي ، الذي يظهر بتصرفه استهانة بما بما توافرت عليه الكتل البرلمانية واقره البرلمان الذي كان شقيقه السيد أسامة عضواً فيه أثناء إقراره، وهو رئيس له الآن. وإذا اعتبرنا أن رفع العلم في التظاهرة لا يعبر عن وجهة نظره، فأين إذن دالته على المتظاهرين ودوره فيهم أو انسجامه مع توجهاتهم التي دافع عنها وتبناها؟

وإذا ما تجاوزنا مسالة العلم ، وهي ليست شكلية في كل الأحوال، وقد جرى التنبيه عليها مرات كثيرة منذ تبني العلم المؤقت، ولم يعد يستخدمها سوى أزلام البعث وبقايا النظام الاستبدادي لتمييز هويتهم السياسية والدعوة لمواجهة النظام الجديد، فما الذي يقوله النجيفي بشأن تبنيه لإطلاق سراح جميع المعتقلين دون تمييز بين برئٍ وقاتل ومُفخخٍ، قاعدياً كان أم من بقايا البعث، وبين من هم ضحايا الصراع الطائفي المقيت والشبهة على الهوية "الأقرباء".؟ ألا تُفسّرُ دعوته مع المتظاهرين دون هذا التمييز الى إعادة ضخ القتلة والمجرمين الى شوارع وميادين سائر أنحاء البلاد من أجل موجة إجرام جديدة ؟ ثم هل هو يقصد بدعوته إطلاق سراح جميع المعتقلين بمن فيهم سجناء " جيش المهدي " والميليشيات الأخرى ، أم يطالب برفع الحيف عن جماعة موصوفة بعينها .؟ ويظل السؤال الملح حول دعاوى السيد النجيفي عن موقفه من الاحتلال و" نضاله " لإخراج " المحتلين  واستعداده للقدوم الى بغداد لتحريرها من الجور والاختلال في الحكم . وهنا استثمر رحابة الصدر النسبية التي يعبر عنها رد السيد النجيفي، وأود أن أصارحه، وان تكن الصراحة في هذا الموضع جارحة بعض الشيء، لنحتمل الصراحة إذاً ما دمنا ديمقراطيين :

    أيها السيد أثيل أنت تعرف مثلما اعرف أنا ، ومثلما يعرف السيد أسامة وقادة الكتلة التي تضمك، أن الاحتلال لم يكن منذ هيمنته على البلاد عدواً لك ولما تمثل، ولم يقف في طريق تحقيق تطلعاتك ومن معك من المحسوبين على البعث، سواء " ظلما " أم حقيقة ، كما انك بما كنت تعتمده من " مقاومة " تضم أشباه الرجال من بقايا النظام السابق ومن الشبكات المدعومة من الخارج لقتل العراقيين وترويعهم باسم تلك " المقاومة " ، لم تكونوا في أساس تحرير العراق تدريجياً من نفوذ المحتلين والعمل على إنهاء وجودهم مع استكمال متطلبات ذلك حين يأزف الموعد المرتقب.أنت تعرف والجميع يعرف كذلك أن الذي سهل الوصول إلى لحظة خروج الاحتلال والاستغناء عن قواته هم اولئك الذين كانوا ضحايا لـ" مقاومتكم"، من العراقيين الذين احتملوا القذائف والمفخخات والرصاص والنيران ومضوا في بناء دولتهم، وبما يمكنهم من اخراج المحتل..الاتفاقية التي تخرج الاحتلال لم تفرضها المقاومة..لقد عمل عليها ووقعها وفرض كثير من بنودها هم هؤلاء الذين اختاروا بناء دولتهم وليس الاجهاز على ما تبقى منها وترويع الناس الذي كان شأن مقاومتكم..وحين نأتي على هذه ( المقاومة) الغريبة العجيبة وكيف جرى (تصنيع) معظمها، وكيف جرى (اختراع) طبقة سياسية من بين دخانها..فبإمكانك أن تسأل ( وأنا افترض هنا انك لا تعرف بذلك!!) عن حقيقة الدعم الذي كانت تقدمه السفارة الأميركية مباشرة او بالواسطة لتأمين دوركم في الحكومة وحماية مصالحكم في الدولة المستباحة. أرجو أن نكف عن الضحك على الذقون، وما هو مخفي اليوم من الممكن أن يكشفه الأمريكان غدا..يجب أن تتوقف عن أية بطولات " لمقاومتك " و" بسالة " أتباعك في التصدي للمحتلين ، فانا شاهد على هذه البطولات في جولاتها النهارية في متاهات السفارة الأميركية وفي الزوايا المؤمَّنة وخارج الحدود ، إلا اذا كنت تقصد ب " المقاومة " ضد العدو الرئيسي " الفرس المجوس " وليس المحتل الأميركي ، وأنا أتفهم دوافع هذه المقاومة ومصادر الإيحاء بها واستمرارها.

لقد أمكن التضييق من مساحة فعل المحتلين ، العمل الدؤوب المثابر المتعثر بمفخخات " المقاومة الموبوءة المصدّرة من وراء الحدود والمبيّتة في مناطق قد تكون على علم بها او لا تكون ، لملايين العراقيين الذين تحملوا أعباء ثقيلة من اللا استقرار واللا أمن وشظف العيش وانعدام الخدمات ، لتُعاد بناء الدولة المستباحة وان دون رضاهم عنها وعن أدائها . هم هؤلاء الأبطال المجهولون من " حرر ويحرر العراق " ويستعيد سيادته لا أنتم الذين

لم توفروا وسيلة للإبقاء على العراق خربة تنتظر غربان صدام للعودة الى نهش ضميرنا .

إما الدستور الذي تسعى الى تغييره ، فانا أشاطرك الرأي في انه بحاجة ماسة الى تغيير ، ولكن التغيير الذي أتطلع إليه وأدعو لتبنيه يتناقض مع ما تريده أنت ومن تعبر عن كوامن نفوسهم . فانا أدعو الى تعديله لكي يصبح حامل أماني العراقيين بإقامة دولة مدنية ديمقراطية تعددية تحمي التنوع في إطار الوحدة الاختيارية ، وتزيح الى ذاكرة التاريخ كل أشكال الطائفية المقيتة والمحاصصة المبنية عليها والشوفينية وضيق الأفق القوم ، وتصفي جذور الاستبداد وكل مخلفات تبعيث العراق الذي لوثته طوال عقود أدران البعث الصدامي .

أخيرا عليك أيها السيد النجيفي أن تقرأ مقالاتي لتتعرف على مواقفي منذ سقوط النظام وليس من وحي هذه الأيام حول قانون اجتثاث البعث وعن مفهوم المصالحة الوطنية وحول الطائفية المنبوذة ، وستعرف اذا قرأت إنني من دعاة اجتثاث الاستبداد أين كان مصدره أو مظهره ومن حاملي هم المصالحة التي ضيّعها على شعبنا بول بريمر وملوك وأمراء الطوائف ، لكنني في كلتا الحالتين كنت اقصد بهما القاعدة العريضة الواسعة التي احتُسبت ظلماً وعدواناً قاعدة النظام الشمولي الاستبدادي البعثي ، وهم لم يكونوا كذلك ، وانتم ساهمتم بدفع بعضهم الى هذا الموقع الذي كان غريبا عنهم . ولن أتشرف بان اعني بالدعوة للمصالحة أزلام البعث وصدام ممن يواصلون بلا حياء جرائمه وفكره الإجرامي ، او يدافعون عن

" عروس ثوراته وزانيتهم " الأخرى ..

ولن أتحدث عن تشويهك لموقفي من التظاهر السلمي المحتج على أخطاء العملية السياسية، فقد نظمنا التظاهرات قبل أن ينبهكم العرب المنتفضون على قيمة التظاهر والاحتجاج السلمي بدل السلاح والانقلابات..وعودة سريعة الى العامين الماضيين ستعرف كم من التظاهرات نظمتها المدى..ولكنها على كل حال ليست على غرار تظاهرات العلم بالنجوم الثلاثة.

 

حـــق الرد : ثلاثيـة الفسـاد وإرهـاب الفكر والطائفية، أقلام اليوم نموذجاً

عملا بحرية الرأي وإيمانا بحق الرد ننشر نص الرد الذي جاءنا من السيد أثيل النجيفي، محافظ الموصل، تعقيبا على مقال رئيس التحرير المعنون (مظاهر التبعيث.. النجيفي نموذجا) المنشورة الخميس الماضي الموافق 28/4

حزنت وأنا اقرأ ما كتبته جريدة المدى بقلم رئيس تحريرها فخري كريم مقالته الموسومة الدولة المنسية وثلاثية الفساد والإرهاب والطائفية، مظاهر التبعيث، النجيفي نموذجا بعددها 2114 في 28 42011 وقرأت المقال أكثر من مرة تشكيكا في ناظري أيمكن لنخبة من مثقفي الجيل السابق أن يكبو قلمهم ويكتبوا بعيدا عن ثقافتهم ومبادئهم؟ أيمكن للاشتراكي أن يسخر من التحام المسؤول بجماهيره؟ أم يمكن للمثقف المفكر أن يكتب عما لم يره ولم يسمعه؟ أم أننا نعيش في زمن النكوص عن القيم والمبادئ وقلب الحقائق بغية الترويج لوضع لا يجادل منصف بفشله وحاجته للتغيير؟ أم أن السيد كريم مازال يكابر حتى وهو يرى رفاق دربه القدامى يهتفون بضرورة التغيير.

لا تهمني افتتاحية المقال التي تجاوزت ثلاثة أرباعه في هجوم على البعثيين وأدائهم فللبعثيين أصواتهم وأقلامهم ولست منهم أو مخولا لأتحدث نيابة عنهم ولم أر في المقال المذكور ثمة إشارة ولو بسيطة الى سبب حشر اسمي في ثلاثية صاحب المقال من الفساد أو الإرهاب أو الطائفية ما عدا عنوان المقال وكأنه قد كتب لمن يقرؤون العناوين دون المتون وما أكثرهم اليوم.

ولكن ما يهمني كيف سنبني هذا البلد بعد ثماني سنوات من صراعات قتلت مئات الآلاف وهجرت الملايين وأوغلت في ظلم من بقي. ففي الوقت الذي تتصاعد فيه أصوات النخب السياسية الحاكمة لطي صفحة الاجتثاث وتعديل مسار المصالحة الوطنية والقضاء على الفساد المستشري في جسد الدولة العراقية وتعديل الدستور بما يتجاوز معضلات الماضي القريب. يتصاعد صوت كاتب المقال مطالبا بمزيد من الإرهاب الفكري والتهديد بالعودة الى القبضة الحديدية للدولة وقمع الأصوات المعارضة وتقويل أهالي الموصل ومتظاهريها ومسؤوليها ما لم يقولوه فيما يمس منظومة الدولة وقوانينها وهم المعروفون بالأكثر التزاما ونظاما.

وقد نسأل أين ستكون المصالحة الوطنية مع الدعوة إلى اجتثاث جديد وبمفهوم أكثر صرامة بعد ثماني سنوات من الكيل بمكيالين حصل فيها الموالي على كل الحب والتقدير وغض النظر عن الجرائم التي ارتكبها بما في ذلك قتل الأبرياء عمدا ويعطى أعلى المناصب فيما تتبعوا المعارضين بالشبهة وأقصوا كفاءاتهم المهنية والفنية وقطعوا أرزاقهم وشردوا عوائلهم ولم يسلموا من الاعتقالات خارج نطاق القانون حتى أصبحت كلمة المعتقلين الأبرياء متداولة على كل الألسن في زمن الديمقراطية وحفظ الحريات.

وإذا كنتم تتحدثون عن مظاهر عسكرة الدولة فالإحصائيات الرسمية تشير الى أن أهالي محافظة نينوى هم الأقل حظا في هذه العسكرة والأبعد وضعا عن مسار الميليشيات التي تعملقت في كل مكان من حولنا.

نعم أيها الناشط الاشتراكي أنا واحد من أهالي الموصل المطالبين بإنهاء بقاء الاحتلال الأمريكي في العراق وفي أسرع وقت والداعين إلى إطلاق سراح الأبرياء من السجون وانا من أطلقت حملة لجمع تواقيع للمطالبة بخروج المحتل ولكنني حريص على بقاء منظومة الدولة العراقية وان كنت أسعى الى تغيير وضعها وتعديل دستورها وتجاوز أخطاء المرحلة الماضية وتعديل العلاقات السياسية بين الكتل الحاكمة وشعبها غير أني أدعو للتغيير من خلال المنظومة نفسها. ذلك لأننا حريصون على سلامة شعبنا ونحذر من العودة مرة ثانية ببلادنا الى حالة اللا دولة وزوال السلطان بعد ان عشنا مآسيها.

وقد يجد كاتب المقال غرابة فيما نفخر به من تواصل مع جماهيرنا وان نسير في وسطهم دون الحواجز والحمايات فما نحن سوى جزء منهم وندعو الى ما يدعون إليه طالما كانت هذه الدعوة ضمن القانون والدستور على الرغم من قناعتنا بالحاجة الى تعديل الدستور من خلاله وعلى وفق آلياته ولن ترهبنا تلك الاتهامات الباطلة التي حشرت السجون بأبريائنا ولم تكن لتثنينا عن البقاء قريبا من أبناء شعبنا. ومن المضحك ان يدعو كريم أهالي الموصل لمقاضاتي بسبب مطالبتي بإنهاء الاحتلال!

وأخيرا أقول لكاتب المقال سيشرفني دائما أن أكون جزءا من القوى الساعية لتغيير وضع العراق وإنهاء احتلاله وطي صفحة الطائفية والفساد فيه أما التهديد بمقاضاتي وإخراجي من السلطة فهي ارخص الأثمان وأحلاها على قلبي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram