علي عبد الأمير عجام مع إنني شاعر وأواظب على كتابة الشعر وتذوقه ونقده، إلا إنني أرى في تأسيس فرقة لموسيقى "الهب هوب" في البصرة مؤخرا أهم من "مهرجان المربد" الشعري، بل انني أرى ان تأسيس الفرقة الموسيقية في البصرة أقرب الى روح الشعر مما كان عليه الطابع الفولوكلوري للمربد، ذلك ان يغامر شبان بصريون الى اعلان فرقتهم الموسيقية
في مؤشر على تحدي ثقافات سائدة في مدينتهم تشيعها الأحزاب والأفكار الأصولية المتنفذة، هو سلوك شعري بامتياز، اذا نظرنا الى الشعر الحقيقي بوصفه نداء حرية وتطلع الى روح المغامرة والاكتشاف.وفيما يجتمع شعراء لايام قليلة في حدث تتبارى فيه العصبيات والولاءات والاستعراضات الثقافية والاجتماعية السمجة، مع القليل من المعرفي والإنساني (ذلك انهما نادرا ما يحضران في مهرجان صاخب)، سيكون على شبان فرقة "الهب هوب" البصرية تلقي أشكال من المضايقات تبدأ من السلطات التي تحرّم كل شيء إلا نهب المال العام، ولا تنتهي بوشاة ليسوا أقل من وشاة "البعث" يقومون بمراقبة اي سلوك يخرج على ثقافة أولي الأمر المستمدة من اصوليات خنقت الآمال والأحلام التي حملها التغيير في العراق وجعلت كوابيس مرعبة، فلا مسرح، لا تسلية، لا سينما، لا موسيقى، لا حرية للمرأة في اختياراتها( هل نتذكر عدد النساء اللائي قتلن في البصرة لوضعهن المكياج او اخترن ارتداء ثياب لا تخضع لثقافة القتلة في العراق الديمقراطي؟)هنا الفرق شاسع بين ادعاء الحرية وتلبس فكرتها كما في حال شعراء كثيرين حضروا "المربد" وبين ممارستها فعلا والاستعداد لتحمل نتائج الظهور بمظهر الاختلاف الكلي مع السائد كما فعل شباب الفرقة البصرية، حين قرروا مواجهة الأصولية الفكرية والاجتماعية والسياسية على طريقتهم: المواجهة عبر الموسيقى.ما تمت الإشارة اليه لا يعني ان تكون موسيقى الهب هوب اهم من الشعر، لكنه يعني ان فعل الاحتجاج السلمي والجميل في شكله الموسيقي كان أعمق دلالة وتأثيراً من مهرجان صاخب للكلام الذي لا يحدث أي مغايرة في الواقع، ولا يحضّ على اي فعل حقيقي للحرية في مدينة تتعرض فيها الحرية إلى أكثر من محنة.هذا يقودنا الى الحديث لا عن أهمية الشعر في الحياة الثقافية العراقية المعاصرة وحسب، بل عن جدوى الثقافة العراقية في مؤسساتها الأقرب الى الفولكلورية: الرسمية منها وشبه الرسمية وحتى الخاصة، التي تنضوي تحت عنوان مؤسسات المجتمع المدني، فهي لم تنظم اي فعالية حقيقية من شأنها الضغط على القوى المتنفذة في الدولة والمجتمع لفك أسر المسرح والسينما والموسيقى من اعتقال طال كثيرا، مثلما لم تتمكن من تسيير ولو تظاهرة صغيرة واحدة ضد اغتيال الكتاب والصحافيين والأكاديميين والعلماء، ومن لم يكن قادرا على فعل بمستوى هذين التحديين الأساسيين عليه ان يشعر بالخجل اذا لم يكن قادرا على الارتفاع الى مستوى المسؤولية الذي يعني على الأقل: الاستقالة احتجاجا. لكن يبدو ان المؤسسات الثقافية العراقية مثلما ابتليت برموز التضليل والخديعة حين كانت ابواقا للنظام الديكتاتوري، تبتلى اليوم بأبواق الموالاة للأجهزة والقوى المتنفذة اليوم، حد ان ناقدا ادبيا يعمل في أحدى المؤسسات التي استولت عليها الحكومة رغم انها تابعة للدولة العراقية وليس للحكومة، استبدل خطابه المتحمس لعبقرية صدام في روايته (سلسلة رواية لكاتبها) بحماسة التملق للحكومة الحالية، فكتب مقالة يطالب فيها ان يتم النظر بإنسانية إلى أوضاع المثقفين العراقيين في الخارج عبر هيئة او لجنة ترتبط بمجلس الوزراء، كأنه في ذلك لا يستعير وحسب خطاب المديح الذي كانت بوصلته قبل عام 2003 متجهة الى رأس النظام الديكتاتوري، بل يرد الجميل الذي أسداه إليه مستشار رئيس الوزراء حين عينه في موقعه الحالي كي ينشط في مجال برع فيه: مديح السلطة.من هنا تبدو مؤسسات الثقافة العراقية وفعالياتها كابية الألوان بعيدة كلياً عن اي فعل تجديدي، وليس بعيدا عن هذا المعنى كان مهرجان المربد الشعري، بينما كلمة الاحتجاج في تجلياتها السلمية المدنية قالها شبان بصريون في فعل موسيقي هو اقرب الى الشعر في تجلياته الروحية.
وجهة نظر :حين يكون تأسيس فرقة "هب هوب" فـي البصرة أهم من "المربد"
نشر في: 2 مايو, 2011: 05:59 م