حوار المدى الثقافي ينتمي القاص والروائي سعد محمد رحيم إلى جيل ٍ اكتوى بنار الحروب والقمع السلطوي، وسطوة المؤسسات المستبدة.. لكنه جيل استجار الإبداع من رمضاء المآسي.. واستطاع أن يكرس حضوراً مهماً في المشهد الثقافي العراقي..
حصل أخيراً على جائزة الابداع للقصة لهذا العام في القصة القصيرة عن مجموعته (زهر اللوز)، التي تعد إضافة مهمة لانجازه الإبداعي المتمثل بمجموعة من الأعمال منها:(ظل التوت الأحمر، غسق الكراكي، المحطات القصية ، زهر اللوز) وغيرها. حاورته (المدى) للوقوف على تجربته في الكتابة.. ماذا يعني لك الفوز بجائزة الإبداع في مجال القصة القصيرة؟ - لي فكرتي الخاصة عن الجوائز الأدبية، خلاصتها إنك إنْ فزت فهذا لا يعني أن عملك هو الأفضل، وإنْ خسرت فهذا لا يعني أن عملك سيئ. يعتمد الأمر على معايير وأمزجة وذائقة اللجنة التقويمية المكونة من ثلاثة أو أربعة من النقاد أو الأدباء، وإن اختلفت اللجنة ربما ستختلف النتائج بهذا القدر أو ذاك.. لا يكتب الأديب من أجل الجوائز.. الجوائز تحصيل حاصل، إن حصلت عليها فهذا شيء رائع، وإن لم تحصل عليها فهذا لا يعني نهاية الأشياء.. أزعم أن لجائزة الإبداع العراقية قيمتها المعنوية فهي تعادل جائزة الدولة مع غياب الأخيرة في حياتنا الثقافية. وأعتقد أن النتائج، في هذه السنة، كانت منصفة.. لست أقول هذا لأنني واحد من الفائزين، لكن هذا ما اتفق عليه كثيرون. أقامت الوزارة حفل تكريم جيداً للفائزين والهيئات التحكيمية، لكن تغطيته إعلامياً لم تكن بالمستوى المطلوب.. حتى أن هناك من الوسط الأدبي والفني من لم يسمع به أو لم يعرف حتى بإعلان نتائج جوائز الإبداع. في الحصول على جائزة أدبية نوع من التوريط، معها تجد نفسك في لحظة استثنائية تكسر السياق التقليدي لحياتك وتضعك أمام مسؤولية جديدة.. تجعلك تفكر بكتاب لافت آخر تتخطى معه كتابك الفائز بالجائزة. وما يخيف الكاتب أكثر من أي شيء آخر عمل مهم لا يستطيع تجاوزه، أن يُقال لك أن عملك السابق يعد القمة. في هذه الحالة عليك البحث عن قمة أعلى قد لن تطولها أبداً. لم يستطع شولوخوف قد تجاوز رواية الدون الهادئ الذي كتبها مبكراً وفاز على إثرها بجائزة نوبل، وكذلك الأمر مع (موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح، والغريب لألبير كامي، والصخب والعنف لفوكنر.. لا يكفي أن تمنح الوزارة الجائزة ثم تنسى أمر الفائزين ونتاجاتهم.. ما أقترحه بهذا الصدد هو منح بعض الامتيازات الأخرى للفائز بجائزة الإبداع منها مثلاً: إعادة طبع كتابه الفائز أو كتاب آخر له من غير أن ينتظر بضع سنين قبل أن يجد كتابه الجديد مطبوعاً. وأن تكون للأدباء الفائزين أو لبعضهم حصة في إيفادات الوزارة ومشاركاتها في المهرجانات والندوات خارج العراق وداخله. أنت من المهتمين بفن السرد.. ما حاجتنا إلى هذا الفن؟- ينغمس البشر بعملية السرد طوال الوقت، لا لأنه شكل مبهر من التسالي فقط، بل لأنه يكاد يكون حاجة بيولوجية ونفسية في الوقت عينه، من أجل إعادة التوازن لحياتنا التي تُصيبها آلاف الأشياء بالاختلال. ليس هناك من إنسان سويّ لا يلجأ إلى سرد الحكايات، وحتى الحادثة الصغيرة العابرة التي نمر بها أو نكون شهوداً عليها ومن ثم نحكي عنها تجعلنا ساردين.. كل إنسان سارد بطريقته الخاصة. لكن ما يحصل مع القصة والرواية المكتوبتين هي أننا معهما نغادر الاعتيادية والروتين أو اللغو وابتذال الثرثرة إلى ترف الفن. كتبت الرواية، لكنك في النهاية تطالب بالاعتراف بالقصة القصيرة - أجل، مع القصة القصيرة أشعر بأنني في منزلي، فهي تغمرني بالرضا والحميمية والدفء والأمان.. القصة القصيرة طريقة أرستقراطية نبيلة في السرد، وهي الطريقة الأصعب والأكثر كمالاً.. إنها بحاجة إلى أزميل النحات وريشة الرسام وبراعة صائغ الذهب ودقة الكيميائي في المختبر، أو بعبارة أخرى أنها بحاجة إلى الكاتب الفنان. وحتى في أثناء التلقي لابد من أن يكون قارئ القصة القصيرة ذا مواصفات معينة لأن هذا الفن الأدبي يتطلب لأجل التعاطي معه حساسية مرهفة، وذائقة راقية ووعي وثقافة، مثل الكونشرتو والسيمفونية واللوحة، مثل أية قطعة فنية لا تمنح لنا أسرارها بسهولة.. ليس البشر جميعاً يمتلكون مثل هذه الخصال. ألا ترى أن القصة وبخاصة في العراق فقدت قرّاءها وربما بدأ الأمر منذ الستينيات؟ـ هذا صحيح.. انساق نصف الستينيين، خلف الطروحات الشكلانية.. انشغلوا بكيفية القول على حساب فحوى القول ذاته.. هنا حصلت غربة النص عن الواقع وعن المجتمع. ومن ثم عزوف المجتمع عن قراءة النص.. لا أدعو للعودة إلى الحبكة الخمسينية وأساليب الخمسينيين وما قبلهما. وأنا مع الاهتمام بكيفية الكتابة. ولكن لابد، أولاً، من متن حكائي في كل قصة ورواية، وإلاّ لماذا نسميهما كذلك؟. وهذه ليست فقط جريرة الستينيين، فمنهم مبدعون كبار أغنوا حياتنا الأدبية بنصوص ذات فرادة وقيمة إبداعية عالية. هل يمكننا نسيان إبداعات محمد خضير وأحمد خلف ومحمود عبد الوهاب وآخرين. غير أن المناخ الأدبي والسياسي منذ ذلك الحين هيأ الأرضية لظاهر
القـاص سعد محمد رحيم:بإهمالنا القصةالقصيرةنُدث ثلمة مؤسيةفي جدار ثقافتنا
نشر في: 2 مايو, 2011: 06:01 م