اشعر بالرهبة كلما فكرت بالسكون التام، وغالباً ما اتخيل أن الأماكن الفارغة لا تبقى فارغة عندما يغادرها الناس، اتخيل دائماً أن كائنات ما، تأتي لتملأ أي فراغ وتقلق أي صمت يمكن أن يستقر فيه. هذا ما اشعر به عندما افكر بغرفة تبقى مغلقة لأيام، أو بيت يهجره أهله لشهور. أما عندما أفكر بالكون الهائل، وأتذكر أن بلايين المجرات تسبح الآن في الفضاء اللامتناهي وهي فارغة من جميع أشكال الحياة فاشعر بالهلع فعلاً.
أسأل نفسي بعض الأحيان: ماذا يحدث الآن على كوكب المشتري (مثلاً)؟ وهل يعقل أنه يدور منذ بلايين السنين وهو فارغ تماماً.. صامت ولا يتنفس أو يتململ أو يفعل أي شيء؟ هكذا يبقى يدور لمجرد الدوران؟ أنا أسال هذه الأسئلة لأن عقلي "البشري" تعود أن تحدث الأشياء لغاية، ولذلك هو يسأل ما الغاية من وراء دوران مثل هذا الكوكب؟
حسن لنفترض أن الغاية هي الإنسان.. لنفترض أن الوجود مركب بشكل يناسبنا. أقصد من أجل أن نستنفد الغاية من وجودنا على الأرض وصولاً لمرحلة الحساب التي يحكم من خلالها الخالق على أفعالنا. طيب هذا الكلام جيد، لكن تبقى هناك أجزاء هائلة من الكون يعتقد الكثيرون ـ وأنا منهم ـ أنها فائضة عن الحاجة لبقائنا.
بعبارة أخرى: من الممكن أن يكون لدوران كوكب المشتري دخل في حفظ بقائنا داخل مجموعتنا الشمسية أو حتى داخل مجرتنا (درب التبانة). لكن ما فائدة بلايين النجوم والكواكب الموجودة في مجرة المرأة المسلسلة مثلاً؟ وإذا كانت هذه المجرات قريبة بما يكفي للتأثير على بقائنا، فما فائدة أن يوجد كوكب ميت يدور منذ مليارات السنين حول شمس تبعد عنا بلايين السنين الضوئية؟ ما فائدة أن يوجد مثل هذا الكوكب الميت والذي يدور حول شمس مجهولة توجد في أقصى أقصى أقصى نهايات الكون الموحش؟ ما الذي يجري على ذلك الكوكب الآن وما علاقته بوجودنا نحن البشر؟.. هذه الأسئلة تضعني باستمرار أمام احد خيارين: الخيار الأول: ان هذا الامتداد الشاسع من الزمان والمكان، لم يخلق من أجل الحياة وإدامتها، أبداً. بل قد يكون وجودنا الحياة حدثاً ثانوياً بالنسبة لوجود الكون. والخيار الثاني: أن وعينا مركب بطريقة تجعله عاجزاً عن فهم المبررات الحقيقية لوجود هذا الامتداد الهائل. أنا أقول ذلك لأنني لا أريد أن أُسَلِّم بفكرة انبثاق الكون بالمصادفة البحتة، وأنه يتنفس ويدور وينمو بشكل عبثي وغير هادف. أبداً لم استطع الانسجام مع فكرة إلغاء وجود المطلق ولا أعرف السبب. قلت سابقاً بأن الوعي البشري مركب بطريقة تجعله يفكر داخل دائرة السبب والنتيجة، ولذلك هو عاجز عن تقديم فكرة بديلة عن فكرة الخالق، ولا أعرف على وجه الدقة إن كنت مؤمناً حقاً بقولي هذا، أم أنني أحاول إيجاد مبرر يحميني من بشاعة أن يكون العبث هو السائد والمهيمن والنهائي في هذا الوجود.
جميع التعليقات 1
ali
أعتقد انك يا استاذ محسن تعاني من حالة ضياع فكري بين عواطفك الشخصية (عواطف الضعف البشري)وبين الواقع المادي للكون والمثبت علميا/ ارجو أن تكون متأكد ان حالة العبث والصدفة التي يعاني منها الانسان والكون حاليا مؤقتة تنتهي بسيطرة الانسان على الطبيعة