*متى تتوقف شكوك مسعود بارزاني وريبته من "المركز"..؟ (3)
فخري كريم
ان بين الشك واليقين، في السياسة، دولٌ تُحتل وشعوبٌ تُقهر وبشرٌ تُغيّبهم السجون والمنافي واقوامٌ يُحرمون من حق اعلان النسب والهوية وحق تقرير المصير.
وقد عاش مسعود بارزاني صباه، وهو يشب، كما عاشت القيادات الاخرى للحركة القومية الكردية وهو يتعرض لغدر "اليقين السياسي" الذي اتخذ صيغ عهود واتفاقاتٍ مبرمة مع الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة، تحولت في التطبيق العملي الى كمائن وحروب إبادة وتصفيات جسدية واعدامات للاهل والمناضلين.
وكان ممكناً ان يشكل التحول الذي جرى في الوضع السياسي بعد ٢٠٠٣ نقطة تحول ايضاً في يقين الشعب الكردي، تطرد من ذاكرته الشكوك من " الغدر" الملازم لعهود واتفاقات الحكام الجدد، وتزيح من الذاكرة الجمعية للكرد وقيادتهم كمائن الغدر والتربص والتنصل عن العهود.
لكن اجهاض التحول وتكريس اليقين في الحياة السياسية، وحفظ الحقوق وحماية الدستور، وضمان تطبيق ما هو مُلزمٌ فيه لكل المكونات وللشعب الكردي خاصة، لم يكن مجرد خللٍ عرضي في طبيعة تكوين السلطة الحاكمة التي أعيد انتاجها بدعم كردستاني فحسب، بل " لليقين " الايماني، المعزول عن دروس التجربة التاريخية للقيادة الكردستانية التي وضعت كل اوراقها وثقتها بلا تحفظ في سلة قيادات طامحة ومغامرة رأت في رموزها حلفاء، يصدون عن الكرد، كما الاخرون من الشعب العراقي، الظلم التاريخي والحيف الذي لحق بهم، وتتشارك قاعدتهم معهم جميعاً في مقاومة الظلم، متناسين الفرق الجوهري بين جموع الشيعة الذين يجمعهم مع الكرد والسنة العرب والمكونات الاخرى مظالم الدكتاتورية والاستبداد والقهر القومي، وبين القيادات التي قد تسوقها الاهواء واغراءات السلطة ومباذلها بعيداً عن المبادئ ومصالح الناس، وتنحرف حتى عن ميول ومصالح قاعدتها " الشيعية " التي تدعي تمثيلها في حين تمارس معها نفس الاعيب الانظمة الدكتاتورية، كما يفعل ذلك بامتياز لا يحسد عليه المالكي ورهطه وحاشيته المفسدة. ولو انتبهت القيادة الكردستانية، ومنها مسعود بارزاني، الى ما تمليه عليها التجربة التاريخية، لادركوا ان حماية مكاسب الكرد وكردستان كانت وما زالت جزءاً لا يتجزأ من اقامة صروح نظامٍ ديمقراطي مكين، ومن تحصين مصالح العراقيين جميعاً، ولأولى المفاوضون الكرد اهتماماً استثنائيا، وبامعان، لكل جانب من الجوانب الدستورية والحقوقية عند البحث في ذلك في المراحل الاولى من تأسيس الجمهورية الثالثة بعد ٢٠٠٣.
لقد أهمل المشرعون جميعاً بما في ذلك اطراف الاسلام السياسي السنة والشيعة، وعلى الخصوص الكرد، العناية بديباجة الدستور والمبادئ التي تقلص من هامش الانحراف عن الديمقراطية، ومرروا تركيبات تشكل حاملاً للتفرد حين كرسوا كل السلطات بيد مجلس الوزراء، متوهمين ان النص على صلاحية مجلس الوزراء يعيق اي محاولة لرئيس المجلس اياً كان هو وكانت مشاربه، بالتجاوز والسيطرة على السلطة السياسية بلا مرد. وقد تهاون الكرد اكثر من غيرهم، متلبسين بالميل المفرط للنزوع الانعزالي، بانطلاقهم من وهم "ما يهم بغداد لن يؤثر في خيارات وواقع كردستان "، وكما لو ان حقولا دستورية بعينها من "حصة الشيعة " وحقولا اخرى من " حصة السنة "، وهكذا تداعي بنيان الدستور وما تمخض عنه من واقعٍ مرير. وقد نسي المشرعون من غير ملوك الطوائف، و"كأن ذلك اسقاطٌ لمخزون اللاوعي" ان الدولة العراقية لابد ان تنتقل من المحاصصة التي استمرؤوها، عبر مرحلة تحول يجري النص عليها، نحو افاق الدولة المدنية والمواطنة الحرة والديمقراطية التداولية، ولا بد من تحريرها من اسر المحاصصة الذميمة، والتوازنات المخلة والتحكم بارادة القاعدة الشعبية.
واذا اخذنا بنظر الاعتبار ارادة القواعد الشعبية " الشيعية " على سبيل المثال، وهي تشكل اكثرية السكان، فان موقعها القيادي في الدولة، كمواطنين متساوي الحقوق، سيظل محفوظاً دون حاجة الى اسوار وتحصينات دستورية او قوالب قانونية، لكن التعبير عن هذه الارادة مجسدة في حكومة، أغلبية كانت او شراكة، تحتاج الى ضمانات تحفظ للقواعد نفسها ولحريات افرادها وحقوقهم الديمقراطية، وتحول دون طغيان السلطان، شيعياً كان او سنياً، عربياً او تركمانياً او كردياً، على ارادتهم ومصالحهم ومستقبل بلادهم.
ان مسعود بارزاني اذ يحاجج اليوم منتقديه، إذ يرون في مواقفه ما ينم عن الشكوك والغلواء، يورد ما يتجلى من خطر نهوض شوفينية جديدة تستهدف اقليم كردستان ومكاسب الشعب الكردي، ويضع السلوك المغامر للمالكي وعنجهيته الحربية وغطرسته في سياق ما تعرض له الشعب الكردي طوال تاريخه، مستذكراً اليقين الذي تهاوى امام هول ما جاء به من كوارث ومصائب جلل من قبل الحكام الشوفينيين الطغاة، لكن الواقع والمسؤولية تفرض عليه ان يستدرك ويرى في ناقوس الخطر التحذيري هذا، استهدافاً للمصالح الوطنية العليا للعراق وتطاولاً على الدستور والديمقراطية المستندة عليه مما يتطلب عملاً عراقياً بامتياز وفي بيئة وخطاب سياسي عراقي شديد الحساسية بمضامينه ومفرداته واهدافه.
وإذ يدق المالكي ناقوس الحرب " العربية الكردية "، فان هذا الناقوس انما هو نذير بالاجهاز على العملية السياسية الديمقراطية وتصفية مكوناتها ومكاسبها، من خلال التفرد بكل طرف بدءاً بالاقليم ومروراً بالاخرين، وهذا ديدن كل دكتاتورية ومقتلها.
ان العودة الى بغداد واحياء تقاليد العمل المشترك مع القوى الديمقراطية وجميع الاطراف والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية والمثقفين واوساط الرأي العام العراقي، هو الكفيل بدرء المخاطر الكامنة المحدقة بمصالح الشعب الكردي، وقبل ذلك بمصالح جميع العراقيين ومستقبلهم.
ولن تكون هذه العودة مجدية دون اعادة النظر بالخراب المجتمعي والثقافي والسياسي الذي تتسبب بها سياسة المحاصصة الطائفية وادرانها المقيتة.
جميع التعليقات 3
ابو زهيه
استاذ فخري لقد اصبت كبد الحقيقة ولكن هذه الأصابة جاءت متاخرة.لقد تناول الكثير من الكتاب منذ بداية العملية السياسية من ان القيادة الكوردية قد اغمضت عيناها عن حلفائها الحقيقيين وهرولت باتجاه احزاب الأسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، وهي تعلم جيدا ان هذه ال
هايدة العامري
فكرك السياسي العميق لايدهشني وهذا المقال اعتبره سهم موجه لاعدائك الذين شنوا عليك حملة اثبتت انهم كانوا صغارا وسيظلون صغارا في طفولتي رأيتك مع والدي تحمل نفس الروح وانت الان تحملها فقط كان من يجب ان تقول انك لوكنت تريد بيتا لكنت ارجعت بيتك الذي منطقة المنص
هرمز كوهاري
استاذ فخري وانت السياسي المخضرم ومثلكم بقية القيادة السياسة الكردية كان يجب ان تعرفوا ان ما بسمى بالاسلام السياسي ا انهم لا دين ولا سياسةبل فئة تتصيد بل تخلق ظروفا مواتية للقفز على السلطة في غفلة من البقية للحصول على المناصب والمكاسب ،تارة باسم الد