TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية: الدولة المنسية وثلاثية الفساد والارهاب والطائفية: العملية السياسية المترهلة بالتواطؤ.. الخزاعي راوياً..

الافتتاحية: الدولة المنسية وثلاثية الفساد والارهاب والطائفية: العملية السياسية المترهلة بالتواطؤ.. الخزاعي راوياً..

نشر في: 3 مايو, 2011: 09:58 م

فخري كريم

(10)

لا احد من القيادات الحاكمة كما يبدو واضحاً، يتعامل مع العملية السياسية بكل مساراتها ومستوياتها باعتبارها وسيلة لاستكمال بناء الدولة ومؤسساتها،

وإرسائها على أسس الديمقراطية والمواطنة، أو ينطلق من افتراض أن كل طرف منها معنيٌ وطنياً ومن موقعه ودوره بالمساهمة في تأمين متطلبات إنجازها على أكمل وجه، متجاوزاً الاعتبارات الأنوية والفئوية،

 وأي اعتبارٍ آخر غير المصلحة الوطنية التي تتطلب تضافر الجهود واختزال الزمن لتجاوز المرحلة الانتقالية الحالية المثقلة بالهموم التي ترهق المواطنين المهددين بالإرهاب والفساد، والمحاصرين بكل ما يرهق كواهلهم وينغّصُ عيشهم ويحرمهم من ابسط الخدمات ومتطلبات الحياة الإنسانية الأولية.

وخلافاً للمتوقع، فان القوى المشاركة في العملية السياسية والشخصيات الممثلة لها في الدولة، تكشف في كل مرة، عن منتهى الاستخفاف واللا أبالية إزاء ما ينبغي عليها من مواقف وسياسات تخفف من الاختناقات التي تسببها الأزمة المحدقة بالبلاد وإبداء أي قدرٍ من التفهم والتنازل للحيلولة دون استمرارها وتفاقمها. ولا تشكل ردود الأفعال التي تصدر بين فترة وأخرى عن هذه الشخصية المحورية في الحكومة أو العملية السياسية أو تلك مفاجأة لأحد، لان الكل يتوقع أن المحك الذي تنطلق منه ردود أفعاله يدور حول محور واحد: المصالح الشخصية أو تلك  الحزبية، وبعد ذلك الطوفان!

لقد اتضح لكل ذي بصيرة أن الزعامات المهيمنة على مقدرات البلاد، ليس في وارد اهتمامها ما يترتب على مواقفها وردود أفعالها واصطفافاتها من نتائج سلبية على الأوضاع العامة ومصالح المواطنين و"قواعدها الشعبية" قدر ما تحرص وتستميت من أجل تحقيق أجندتها الشخصية والحزبية وحماية امتيازاتها وتعزيز مواقعها في السلطة. ولا يتوانى العديد من المتصدين للشأن العام أو المنتظرين في "الدَور" الموصل للحكومة، عن التهديد الضمني أو المباشر بان "رفض مطالبهم" بتولي مراكز في الدولة أو إبداء تنازلات لصالحهم كـ"زعيمٍ" أو "كتلة" "سيعرض العملية السياسية إلى التصدع" وسَيُعرّض امن البلاد واستقراره إلى خطر الانهيار وعودة الإرهاب. ولا داعي لإيراد أمثلة كثيرة على هذا النزوع المثير في الحياة السياسية، فهي معروفة للقاصي والداني ووقائعها تتواتر في كل منعطف سياسي، بل كل يومٍ تقريباً، وهي لا تقتصر على مجال دون آخر، أو تستهدف قضية بعينها، مثل التزاحم والصراع على مغانم ومكارم تقاسم المواقع الحكومية والدرجات الخاصة في الدولة، وإنما تتعداها إلى ما هو ابعد واخطر من ذلك بكثير، إلى اجتهادات القضاء وأحكامه وتفسيراته للدستور والقوانين.

 وآخر صيحة في وادي السياسة الممتلئ بالكواسر والهوام، جاءت على لسان السيد خضير الخزاعي أمين عام حزب الدعوة - العراق، الذي يضم في صفوفه عددا من الكوادر القيادية في المحافظات، ومنهم رئيس مجلس محافظة بغداد الذي ذاع صيت مآثره لأهالي بغداد بحيث لم تعد هناك ضرورة لإيراد سيرته السياسية كلها ، فـ"صاحب فخامة رئيس بغداد" كما يحلو له أن ينادى به تكفي للدلالة. إن صيحة الخزاعي هذه فهو استهدف بتهديده الصريح  "كتلته - التحالف الوطني" وانذرها بان الاستمرار في رفض ترشيحه لمنصب نائب رئيس الجمهورية سيترتب عليه "انهيار التحالف الوطني"! وطرح بدائل أخرى لهذا المنصب لاسترضائه، وزارات ودرجات خاصة كتعويض عن استحقاقه الانتخابي.

ويبدو من هذا التهديد و"سلة التعويضات" المطلوبة على حساب تضخم الميزانية وأكل الموارد التي يمكن تخصيصها لجانب قد يخفف من محنة المواطنين، إن حملة الأسهم "الانتخابية الطائفية" لا يبالون من قريب أو بعيد، بالبحث عن السبل الكفيلة بتجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتزايدة التي تهدد "ناخبيهم" وتضيّق الخناق على أوضاعهم الحياتية الأمنية و المعيشية، بل يبدو أن هذا هو آخر هم لهم، وتتراجع في هذه المساحة المرتبطة بأحوال الناس وقضاياهم "ولاءاتهم للطائفة" أو مزاعمهم بمثل هذا الولاء لجهة أنويتهم الشخصية والعائلية والحزبية. وفي سجلات الحكومة ووزاراتها وقائع بأسماء الأقارب والمتحزبين من مزوري الشهادات وشبه الأميين ما يشيب له رأس الصبي، وفي ملفات النزاهة المغيّبة وثائق عن تبديد للأموال وتلاعبات في ميزانيات المشاريع ما يكفي لفتح سجون خاصة لإيواء لصوص المال العام والعابثين بمصالح الدولة.

إن إحدى المساخر المرتبطة بـ"المحاصصة الطائفية" أو اشتقاقها الآخر المهذب "التوافق" أو المشاركة الوطنية التي تستغرق الجانب الهام من حوارات المتحاصصين يتركز حول تحقيق "التوازن الطائفي"، وهذه الدعامة الصلدة للمحاصصة والمصالحة الوطنية، لمن لا يدري، تعني في علم السياسة التي نحت مفهومها قادة البلاد من أمراء الطوائف وسدنتها "حصة" كل حزب أو كتلة في الدولة بكل مرافقها. وهي حصة لا تشمل بنات وأبناء الطائفة المنكوبين بمن سطوا على حقوقهم، إذ لا يكفي أن تكون سنياً أو شيعياً لكي تحقق التوازن بوجودك في الجيش أو مؤسسات الدولة، بل لا بد أن تكون مقبولاً ومرضياً عنك من قادة الكتلة التي تدعي تمثيلها لطائفتك. أي أن التوازن يتحقق بمن يجري ترشيحهم من الكتل والأحزاب الطائفية لأي موقع في الدولة وخلاف ذلك باطل.!

وعودة إلى السيد الخزاعي ووعيده بانهيار "التحالف الوطني" إذا لم يلتزم جميع مكونات التحالف بفرضه على الآخرين والالتزام بالتصويت له في مجلس النواب وإجبار المجلس "باعتماد التصويت على سلة النواب" مفترضاً أن الترشيحات السابقة التي طرحت عليه قائمة بالرغم مما جرى من تطور تمثل في توجيه الاتهام لأحدهم بانتحال صفة، وقد تم طلب استدعائه للتحقيق، ومن المنتظر أن تسير الدعوى في وجهتها القضائية حتى يصدر الحكم بصددها، ويفهم من هذا أن مجلس النواب غير قادر على التصويت عليه حتى تنتهي المرافعة القضائية ويبت بشأنه. كما أن الخزاعي نفسه ينتظر المساءلة في البرلمان عن المزاعم المرفوعة عنه حول مشاريع الأبنية المدرسية التي وعد بإنجازها خلال ستة أشهر وهي لا تزال رغم وعده، مجرد أطلال حديدية. بالإضافة إلى شكاوى يجري تحضيرها من قبل منظمات مجتمع مدني وتدريسيين وطلبة، عن المظاهر السلبية التي عاشتها وزارة التربية في عهده.

ونموذج مداخلة السيد الخزاعي في إطار كتلته يشكل ابلغ برهان على أكذوبة "التوازن" الطائفي التي استهلكت لكثرة ترديدها، والكيفية التي تطبق فيه. فالسيد خضير الخزاعي شيعيٌ مؤمن، يؤدي الفروض الإيمانية دون تقصير ولا يتخلف عنها أينما كان، ويتذكر العاملون في التربية انه لم يكن يتأخر عن أوقات فرائضها حتى إذا اهتزت الوزارة من كل أركانها، وهو بعد ذلك زعيم لحزب الدعوة، والفرق بين "دعوته" ودعوة السيد رئيس الوزراء نوري المالكي تكمن في وصف كل من الدعوتين... الدعوة العراق والدعوة داخل، ومع ذلك فان التوازن يختل لغير صالح "الشيعة" إذا لم يصبح الخزاعي نائباً للرئيس، بل هو يخالف بإصراره مرجعية النجف التي اعتبرت ترشيح أكثر من نائب للرئيس فائضا عن الحاجة وتبديدا لأموال الشعب. ولا اعتقد أن مرجعية ولاية الفقيه في قم، أو أية مرجعية أخرى، تقبل بمخالفة موقف كهذا يصطدم بوجهة نظر لا ترى فيه ما يشكل ضرورة لتمشية أمور الدولة المستباحة حتى بدونه.

إن إصرار دولة القانون على ترشيح نائب ثالث لرئيس الجمهورية ممثلا بالخزاعي، يجسد موقفاً دفيناً لا يلتقي ودعاواها حول بناء دولة مواطنين، وإنما تشبثها بتحويل الدولة إلى مستودعٍ للمستور من أمانيها وتطلعاتها التي تثير الريبة والشكوك حول جدية وفاعلية برنامجها.

قد لا يشكل تحذير السيد الخزاعي خطراً على العملية السياسية، لان ما يهدد به يراه كثرة من المواطنين باعتباره خطوة في الاتجاه الصحيح، لانهيار التحالفات الطائفية المفتعلة، ربما تفتح الطريق أمام اصطفافات وطنية، خارج خيمات ملوك وأمراء الطوائف وتقود إلى تجاوز الأزمة الراهنة المبنية خلافاً لكل ما يقال على هوس السلطة والصراع على اغتصابها بتسويات الترضية وتواطؤات تقاسم الغنائم السهلة.

السيد خضير الخزاعي أرجو الاكتفاء برئيس وزراء لحزب الدعوة دون التضحية بالعراق.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram