TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شارع الساعدوني!

شارع الساعدوني!

نشر في: 17 ديسمبر, 2012: 08:00 م

أكثر شارع قطعتُه ومررتُ به طوال حياتي هو شارع السعدون في بغداد، فلستِ سنوات كاملة قبل أن أغادر البلاد الى المنفى كان هو طريقي اليومي الى مكتبي في صحيفة "طريق الشعب"، ومنذ سنة ونصف السنة أمرً به يومياً أيضاً في طريقي الى مكتبي في "المدى".

وقبل سنوات "طريق الشعب" كان شارع السعدون الطريق التي لا يمكن لأحد مثلي الا أن يمر بها مرتين أو ثلاثاً في الاسبوع لمشاهدة فيلم وصل للتو في سينما النصر أو سميراميس أو أطلس أو بابل أو السندباد، أو مسرحية في مسرح بغداد أو مسرح الـ 60 كرسي، أو لتمضية السهرة في أحد النوادي الاجتماعية وبخاصة نادي الاعلام، أو في واحد مما لا يُعدّ ولا يُحصى من المطاعم والحانات في شارع أبو نواس.

شارع السعدون الذي كان، كما أبو نواس والرشيد، أحد درر بغداد ومفاخرها، لم يعد كما كان في الماضي .. بغداد كلها لم تعد كما كانت في الماضي، فلحروب الماضي أحكامها الجائرة ولفساد الحاضر أحكامه الأكثر جوراً.

أمس زارني في مكتبي صديق عزيز لم ألتقه منذ مدة فضيّفته على الغداء في ما أظن انه أحسن مطعم في شارع السعدون. أمام واجهة المطعم كانت ثلة من العمال تحفر في الرصيف. لم يكن المشهد نادراً، فمنذ سنة ونصف السنة لم تتوقف أبداً الحفريات في هذا الشارع، وهو ما يشهد عليه ركام الحجر والتراب والقمامة المتخلف في الشارع .. لن أبالغ إذا ما قلت انني شهدت خلال هذه المدة نحو عشر عمليات حفر وإعادة حفر في هذا الشارع الذي تتركه كل عملية حفر في حال أسوأ مما كان عليها، وأظن لو انه نطق لصرخ بالمارة كالمتسولين: ساعدوني .

المهم اننا، صديقي وأنا، توقفنا عند ثلة العمال، وسألتهم عمَ يبحثون في الحفرة، فأفاد أحدهم بانهم يحفرون لإغاثة كيبل تقطّعت أوصاله بسبب ثقل "صبّة" الكونكريت التي بُني بها جزء من الرصيف. لم أسأل عن طبيعة الكيبل، للكهرباء أم للتلفون، فهذا تفصيل ليس بذي قيمة. القيمة الحقيقية بالنسبة لي كصحفي هي في هذا الهدر الهائل للمال والوقت والجهد مع عمليات حفر وإعادة حفر لا تتوقف، وفي ما ينجم عن هذه العمليات من آثار سلبية على البيئة والصحة وعلى الاقتصاد الوطني المتضرر مرتين، مرة بفعل التكاليف العالية لعمليات الحفر وإعادة الحفر ومرة أخرى بالحُفر والمطبّات المتخلفة في الشارع وما تسببه من تلف مبكر للسيارات المستوردة وأدواتها الاحتياطية من الخارج.

منذ ثلاثة أيام بدأت "المدى" بنشر التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية في حلقات يومية (على الصفحة الرابعة)، وعشية النشر اجتمعت ثلة من هيئة التحرير لتختار عنواناً دائماً للحلقات، وبعد نقاش قصير اقترح أحدنا العنوان المختار الآن"قصة اللادولة في العراق خلال 2011"، مبرراً رأيه بان خلاصة التقرير أن لا دولة في العراق.

شارع السعدون، أو بالأحرى شارع الـ "ساعدوني"، شاهد آخر على اللادولة في بلادنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. حامد المختار

    تحية طيبة نبارك لكم ولكافة زملائكم في صحيفة الشعب (المدى)حرية اقلامكم فيما تكتبون . وانتم تتحدثون عن الهدر في الاموال في تنفيذ المشاريع ..اتمنى عليكم ان تكتبوا عن مجسر العلاوي الذي صرفت له الملايين من الدنانير ولكن دون دراسة للجدوى الاقتصادية له .حيث

يحدث الآن

المحافظات التي عطلت الدوام الأحد بسبب الأمطار

تأجيل 4 مباريات في الدوري العراقي بسبب الأمطار

خامنئي يرد على ترامب: لن نفاوض تحت الضغط

قائممقام القائم: الحدود العراقية السورية مؤمّنة بالكامل ولا تهديد للأمن الوطني

تركيا تحذر من تحول أحداث اللاذقية إلى تهديد للسلام في سوريا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

العمود الثامن: ألف حزب وحزب

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

 علي حسين ينظر المواطن المسكين مثل جنابي الى بلده العراق ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار العصر، فارتدّ بهمّة خطب سياسييه، إلى الوراء، إلى مجرد احزاب سياسية تضحك...
علي حسين

كلاكيت: كيليان مورفي وأشياء صغيرة كهذه

 علاء المفرجي مثل مواطنه دانيال دي لويس، جاء الممثل الايرلندي "كيليان مورفي" الى السينما من بوابة المسرح، ومثل لويس تماما كتب أسمه بحروف ناصعة بين ممثلي السينما الكبار منذ أول دور له، حتى...
علاء المفرجي

الصوم.. في التحليل السيكولوجي

د.قاسم حسين صالح انشغل علماء النفس بدراسة الصوم بيولوجيا وسيكولوجيا وانتهوا بموقفين متضادين: ألأول، يتبناه كتّاب وأطباء نفسانيون عرب،يرون ان الصوم يؤدي الى انخفاض مستوى الجلوكوز في المخ،فينجم عنه اضطراب في عمل الدماغ، واختلال...
د.قاسم حسين صالح

إرباك هائل بسبب دراسة خاطئة

إبراهيم البليهي ليس أسهل من دفع الناس في اتجاه الخطأ خصوصا إذا خوطبوا باسم العلم والبحث العلمي وتم تخويفهم بأن صحتهم في خطر.. ففي عام 1951 نشر الباحث الأمريكي أنسيل كيتس دراسة زعم أنه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram