العلماني بشار الأسد يذهب من اجل الحفاظ على سلطته الى واحدة من أقذر معارك التاريخ. "الإخوان" وحلفاؤهم يذهبون من أجل الاستحواذ على السلطة الى آخر مدى في قسمة مصر وتهديدها بأعظم الأخطار. والحياة والدين معا في البلدين يدفعان أثمانا مريعة. وقد يكون الأثر التدميري لأهواء السلطة على الحياة في سوريا ومصر أوضح من الأثر التدميري على الدين في البلدين. لكن الحقيقة هي أن الأثر واحد على الدين والدنيا معا. فكما أن الشارع تحول الى "معسكر" فان المسجد تحول الى "ثكنة".
في سوريا لم يعد هناك دين يعلو على السياسة والقتال. على العكس من ذلك فان الدين، على تعدد مذاهبه وطوائفه، أصبح معينا لا ينضب للسياسة والقتال. وفي مصر أصبح الدين على يد الإخوان والسلفيين سببا في انقسام الشعب الى معسكرين.
وفي الحالين أصبح الدين مخيفا. ولم يعد بذلك دينا. فالدين هو الأمان لا الخوف. وهو السلام لا الحرب. ولكنه في البلدين فقد الحد الأدنى من قدرة الدين، المتمثل بشحن الأمان في نفوس المؤمنين. كما فقد الحد الأعلى من قدرة الدين، المتمثل بترقية الحياة الروحية. فالناس في العادة تذهب الى الدين طلبا لأمان النفس وهربا من شرور الحياة. كما أن الدين يأتي الى الناس للحد من أنانيتهم، وتذكيرهم بأن هناك في الوجود ما هو اسمى من مجرد مصلحة الانسان الشخصية العابرة، فنحن إنما نأكل ونشبع لنرتفع ونسمو الى حياة الروح.
واذا كانت ظروف الناس الأقل حظا في الحياة، من المعدمين والفقراء والكادحين، تحول دون استطاعتهم على ترقية حياتهم الروحية، من خلال الإطلاع على أعمال الفكر والأدب والفن، أو من خلال ممارستها، فإن الدين يعوضهم عنها، بوصفه تطلعا الى قيم تسمو على مباذل الحياة العادية وشرورها.
ولعل ما يحدث في مصر هو صورة نموذجية لما يقوم به "الاسلام السياسي" من بهذلة للدين، وانزاله من عليائه وتمريغه بالأوحال. اذ نرى هذا النوع من "الاسلام" في تظاهرات معادية للقضاء، وأخرى للإعلام، وفي مظاهر وتعبيرات مبتذلة معادية للفن، وللآثار، وفي أعمال وألفاظ عنيفة ترعب الناس، وتزعزع الاقتصاد، وتهدد الأمن القومي، وتضع الشعب في القسمة الرهيبة بين جماعة المؤمنين وبين "الآخرين".
ان الناس تتطلع الى اسلام سياسي معتدل، يوازن بين متطلبات الدين والدنيا. ولكن بانتظار ظهور مثل هذا النوع، ولابد انه سيظهر، فإن"الاسلام السياسي" الموجود حاليا هو فقط النوع المأخوذ بسحر الاستحواذ على السلطة وحده دون غيره، وهذا النوع أشد خطرا على الاسلام من الملحدين أنفسهم. فليس لأغلب الملحدين معركة مع الدين. وبعض غلاتهم، شأن ماركس، عارضوا بصلابة أي اجراءات تتخذها سلطة أو حكومة ضد الدين. بل ان ماركس عبر في بعض نصوصه عن تفهم عميق ومتعاطف مع الدين لا يمكن لأي من المكوية جباههم بلوغه. قال مرة:"الدين زفير المخلوع المقموع، قلب عالم لا قلب له، وروح شروط اجتماعية لا روح فيها".
وقد يكون هناك "ملحدون جامدون" أقل احساسا وتبصرا بمعنى التدين. ولكنهم لا يضرون الدين كما يفعل "السلطويون" من جماعات الاسلام السياسي. فضرر هؤلاء خطير وبعيد المدى. وشاعرنا القديم يقول "ان نصف الناس أعداء لمن/ ولي الأحكام، هذا إنْ عدل". اي ان السلطة مكروهة وهي في أفضل أحوالها. فما بالك اذا كانت سلطة "الإخوان" أو أمثالها في ايران أو عندنا في العراق؟
ان الدين هو ما يتبقى لنا اذا خربت الحياة من حولنا. وهؤلاء لا يبقون لنا شيئا لأنهم يدمرون الدين بتحويله الى أداة لتخريب الدنيا.
جميع التعليقات 1
smh
كيف يفهم المسلمين ان الدن مسآله خاصه ولاداعي للخوف منه وكيف نتخلص من غسل الادمغه؟