كل يوم لا أجد أمامي غير أسئلة طرحتها منذ أشهر وما زالت بلا إجابات، كل يوم وانا اتابع كوميديا قوات دجلة، وكوميديا المحكمة الاتحادية التي يصر ائتلاف دولة القانون على جعلها نسخة كاربونية من مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، وكوميديا المصالحة الوطنية التي بشرتنا أمس بأنها لا تزال مستدامة والحمد لله.. وكوميديا الخطب الحماسية التي تطلقها الزعيمة عالية نصيف بين كل وجبة طعام واخرى.. وكوميديا المالكي وهو يجهز قواته لمحاصرة منزل رئيس تحرير المدى..
اتابع وانا اسأل لماذا يتصرف البعض من المسؤولين وكأنهم غزاة لبلاد احتلوها.. وان العراقيين مجرد اسرى عليهم ان يدفعوا الجزية معتقدين أن تحقير الآخر والقضاء عليه أولوية تتجاوز ملفات الخدمات والإصلاح السياسي والانفلات الأمني.. ولماذا يصر المالكي ومقربيه على ان نعيش أجواء كوميديا سياسية ساذجة تقوم على محاولة اختراع عدو وهمي وتصدير أوهام للناس البسطاء من أن العالم كله متورط في مؤامرة خارجية لإسقاط النموذج الثوري في العراق ومحاصرته وإجهاض هذه التجربة الديمقراطية الرائدة في المنطقة.. كلام وخطب وشعرات اقرب إلى الهلوسة منها الى السياسة، ذلك انه في الوقت الذي يتحدث البعض عن تسليح الجيش وتجهيزه لمواجهة عدو وهمي، ويصرون على أن يخوضوا حروب كسر العظم مع شركاء لهم في الوطن، نجد المفخخات تطارد العراقيين في كركوك وطوزخورماتو وديالى ونينوى، فيما القائد العام للقوات المسلحة يواصل إصدار بياناته العسكرية، فيما الناس تدرك جيدا انها تعيش في ظل تهريج أمني، نستطيع أن نطلق عليه استرخاء وغفلة وتقصيرا وإهمالا وشراء ذمم، ومن ثم لابد من عقاب سريع للقيادات الأمنية المسؤولة عمّا جرى من كوارث، لأن من يتفحص سيناريو المهزلة سيصاب بالصدمة والدهشة حين يعلم أنها وقعت في بلد به أكثر من مليون منتسب للقوات الأمنية، وبه رئيس وزراء يتولى مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة ومسؤولون ظلوا يصدعون رؤوسنا بأننا نعيش أزهى عصور الاستقرار.. والأكثر استفزازا في ظل جيش فيه 80 عسكري برتبة فريق وهي الرتبة التي لم يحصل عليها حتى "باتريوس" قائد القوات الأمريكية في العراق.. ولدينا أكثر من 200 لواء، في الوقت الذي لايزيد عدد جنرالات أميركا التي تسيطر على العالم على عدد اصابع اليدين.
الغريب ان الحكومة وفي في كل الأحداث الأمنية الخطيرة تخرج علينا بسيل من البيانات المتناقضة، الأول يبشر العراقيين بالقضاء على رؤوس الإرهاب، فيما الثاني يتكلم بخجل عن عشرات الضحايا الأبرياء فيما ثالث تنتفخ أوداجه وهو يؤكد أن هناك خرقا امنيا قد حصل ولن يتكرر، وفي النهاية تنتظر الناس أن يدلي المالكي بدلوه فنجده يقول: إن مواقع التفجيرات في كل من محافظتي كركوك ونينوى تم انتخابها "بعناية تامة وان الرد عليها يستدعي المزيد من اليقظة والحذر ورص الصفوف"، في الوقت الذي يطالبنا المالكي بان نقف خلف قوات دجلة التي ترابط في كركوك والموصل.. نجد هاتين المدينتين تذبحان كل يوم من الوريد إلى الوريد.. فيما الفريق الركن عبد الامير الزيدي يعلن عن اقامة اول استعراض عسكري يشارك فيه الجنود والآليات، ولم ينس أصحاب وكالة دجلة العسكرية ان يطمئنوننا بان استعراضهم يأتي لتقوية الأجهزة الأمنية وتنشيطها.. وان المعركة الأمنية ستحسم لصالح مكتب القائد العام للقوات المسلحة، لأن قوات دجلة البطلة اكتشفت من هم الأعداء وسوف تقضي عليهم، فإذا بالمفخخات والإرهابيين يتربصون بالأهالي في وضح النهار وبسمع ومرأى من قوات الفريق الزيدي.
للاسف ان واضعي سيناريو معارك المالكي فاتهم أن يدركوا ان لعبة خلط الامن بالسياسة لن يفلت منها احد، وستحرق نارها كل من يسعى إلى إشعال فتيل الحروب الطائفية.
لعل أكثر السيناريوهات كابوسية وقتامة أن تستمر حالة الانفلات الأمني، عبر تكرار لحوادث هنا وهناك، لتعيش مدن العراق كافة في فوضى امنية مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات.. ليخرج علينا رجال الحكومة في لحظة اليأس تلك ليقولوا لنا الحل ان نلوذ جميعا في ظل قائد قوي وهمام.. عندها سيعلو صوت المعركة على كل الاصوات.. وبالتالي علينا جميعا أن نعيش في ظل ارق امني متواصل.. فلا خدمات ولا عدالة اجتماعية.. ولا دولة مؤسسات.. فيما تواصل عمليات دجلة كل يوم اختراع عدو جديد شرير يتربص بمنجزات حكومة المالكي.