اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > مرقد نبي اليهود عزرا ينضم رسمياً إلى مزارات الوقف الشيعي

مرقد نبي اليهود عزرا ينضم رسمياً إلى مزارات الوقف الشيعي

نشر في: 18 ديسمبر, 2012: 08:00 م

320 كم هي المسافة الفاصلة بين بغداد وميسان، لكنها 320 طنا من الشوق والحنين لمهد طفولتي وكاروك دلولات أمي، لشناشيل بيتنا القديم، لمحلتنا الجديدة، لمدرستي الأولى المختلطة، لقبلتي البريئة البكر على جبين المندائية التي تشاركني رحلة الصف، لمعلماتي، للحليب والبسكويت اللذين كانا يقدمان لنا في منتصف ستينيات القرن الماضي.

ماذا تبقى من ذلك الحلم؟ وأسئلة كثيرة وكبيرة، هل سأرى صالات السينما والمسارح التي كنت ارتادها بصحبة أخوتي؟ هل سأواجه (اسعيده) والدة المطرب حسين سعيدة وهي تدور بسلة "النومي حامض" بين حانات المدينة وشوارعها؟ هل سيطردني سيد خضر ابن سيد عكله من شباك بيتهم وأنا أتلصص على تلفزيونهم لكونه الوحيد الموجود في شارعنا، هل سيسرق (ويوي) أقراطي الذهب ليتوسخ ثقب أذني؟ هل وهل وهل... وذكريات سعادة لا تملّ.

محلة التوراة مركز الأديان

محافظة ميسان تقع في الجنوب الشرقي من العاصمة بغداد، وما يميز هذه المدينة، فضلا عن جذورها السومرية هو تنوع أطيافها ومكوناتها والأبهى من ذلك هو الحفاظ على وحدة ذلك النسيج من قبل أبناء المدينة. وعلى الرغم من الأغلبية الشيعية لكنك تجد المسلم السني في جامعه الكبير وسط العمارة يواسي شقيقه الشيعي في حسينيته ويشاركه فاجعة كربلاء، وكذلك تجد جلال دانيال يستقبل في كنيسة أم الأحزان وكذلك كنيسة السريان، المسلمين والصابئة، وعند الأستاذ بدر مسؤول الصابئة يجتمع في (المندى) الجميع بأية مناسبة مفرحة أو محزنة، وقبل أن يشد اليهود رحالهم من العراق كانوا يقومون بنفس التقاليد، ومعبدهم في محلة التوراة التي تعد مركزا للكنائس أيضا، وكذلك السكول اليهودية كانت مركزا لتوافد جميع الطوائف، واليوم المدرسة والمعبد القديم يعدان مركزا للإهمال والخراب والسلب، ولم يتبق من معالم المعبد والمدرسة غير الجدران، وقد استخدمت السقوف الخشبية للمعبد والمدرسة كحطب من بعض المواطنين أثناء الحصار على المدينة في انتفاضة 1991، وكذلك الأبواب والشبابيك كما يقول احد المواطنين، ولاحظنا ونحن نقوم بالتصوير دواخلها وجود بيوت حديثة البناء كبيوت "الحوسمة" التي انتشرت في عموم البلاد، وعندما زرنا محافظ ميسان وطرحنا عليه الأمر أكد لنا أنه ووزير السياحة زارا المحلة واطلعا على أوضاع المعبد والمدرسة، وهناك خطة مشتركة بين وزارة السياحة والحكومة المحلية للحفاظ على هذه الشواخص التاريخية وترميمها كما يقول، علماً أن اليهود قبل هجرتهم من ميسان يعدون من كبار تجار العمارة، ومن أهم الأطباء في المدينة مثل داود كباية كما ذكر لي زميلي نصير جاسم الخفي، وهم أيضا يشرفون على ختان أولاد المسلمين والمسيحيين.

إلى قبر النبي عزرا

قبل وصولي إلى مركز المدينة طلبت من صديقي نصير الخفي أن يوفر لي سائقا أمينا وملما بأقضية ونواحي المحافظة ومركزها، ليكون مرافقا لي بسيارته في رحلة هذا وطني بمحافظة ميسان، وكذلك من صديقي عبد الحسين الحلفي أن يحجز لي في الفندق وكانا عند حسن الظن، فكان السائق والمرشد والمصور من الطائفة المسيحية وهو الرائع وائل جلال دانيال، والفندق منتجع جنة عدن الساحر ببنائه وموقعه على نهر دجلة يجعله أكثر سحرا.

لن تكون تحقيقاتي أو حواراتي حسب التسلسل وإنما حسب رؤية خاصة أتمنى أن أكون مصيبا بها، توجهنا أنا ووائل بمعية عدستي وجهاز التسجيل باتجاه ناحية العزير، التي يقع فيها مرقد النبي عزير نبي اليهود، وسؤالي الكبير هل ما أصاب معبدهم ومدرستهم من إهمال طال أيضا نبيهم الذي ذكره القرآن في سورة البقرة آية 259 حيث يقول عز من قائل "أو كالذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشِها قال أنّى يحيي هذه اللهُ بعد موتِها فأماته الله مائة عامٍ ثم بعثَه قال كم لبثتَ قال لبثتُ يوماً أو بعض يوم قال بل لبثتَ مائة عامٍ فانظر إلى طعامِك وشرابِك لم يتسنّه وانظر إلى حمارِك ولنجعَلك أيةً للناسِ وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسُوها لحماً فلما تبين له، قال اعْلَمُ أن الله على كل شيءٍ قدير".

 

ممنوع التصوير داخل المرقد

وصلنا إلى ناحية العزير التي تبعد 70 كم عن مركز محافظة ميسان، ومعنا كتاب تسهيل مهمة موقّع من قبل السيد رئيس مجلس محافظة ميسان، ولكن مع ذلك رفض القائمون على إدارة المرقد تصوير المرقد من الداخل، لكننا نجحنا في الحصول على اغلب ما نريد من الصور، فالمرقد أصبح مزاراً شيعياً تماماً، ففي بداية مدخل المرقد تجد هناك قطعة ضوئية كتب عليها (موكب عزاء النبي العزير (ع) للشعائر والتشابيه الحسينية)، وقطع من قماش كتب عليها (يا قائم آل محمد) ومصاحف وكتب للزيارات والأدعية، القبّة الزرقاء تدور على جوانبها الرايات الحسينية السوداء والخضراء، وفوق وداخل  جميع أرجاء المرقد، صور الأئمة عليهم السلام تملأ المكان، في المدخل إلى حضرة النبي وضع صندوق زجاجي مخصص لتقديم النذور من الأموال، ورأيت أن اغلبها قطع نقدية من فئة ألف دينار وهو دليل على الفقر الذي يعيشه أبناء تلك الناحية.

السدانة للمسلمين

في إحدى زوايا المرقد هناك مكان مخصص لسجاجيد الصلاة والترب والمسابح، وفوق الباب الرئيسي للحضرة لوحة من الفضة كتب عليها كلمات باللغة العبرية قال عنها احد موظفي المرقد بأنها أسماء الله بلغتهم، انظر إلى المرقد تارة وأخرى إلى الزائرين من جميع الفئات العمرية نساءً ورجالاً وهم يؤدون الزيارة بتقبيل شباك المرقد ثم أداء الصلاة فيه، وشباكه الموشح بقطعة سوداء يلتف وسطها قماش اخضر طبعت عليه صور الأئمة عليهم السلام، هذه الصور توحي للزائر بان القبر لإمام شيعي أو انك داخل إحدى الحسينيات، على الرغم من ان المرقد هو لنبي اليهود عزرا وهو من ذرية هارون بن عمران، ومن معالمه البارزة احتواؤه على الضريح، ويعود بناء المرقد إلى عام 457 – 423م ولم يترك اليهود جريا على عادتهم المرقد خاليا من رموزهم، حيث وضعوا نجمة داوود فوق بناية المرقد، لكنها رفعت عام 1982، وبقيت بعض الكتابات العبرية التي وضع مكانها لفظ الجلالة، وبعد رحيل آخر يهودي من المدينة في بداية الخمسينيات أصبحت سدانته بيد المسلمين.

المواطن عباس غيدان احد المواظبين على زيارة المرقد قال انه يزور النبي في كل يوم جمعة هو وعائلته، معتبرا المرقد مقدسا لكونه لأحد الأنبياء الذين بعثهم الله لامته فهو لديه كرامته عند البارئ (عز وجل) ووجوده شرف لمدينة العزير كما يقول غيدان، وتشاركه الرأي جاسمية حسن التي طافت بالمرقد مع بناتها، قائلة "والله يمه شارته بالمجان"، أي انه يحقق طلب من يستنجد به.

 

اليهود قادة المنطقة

احد الإداريين في المرقد والذي نتحفظ على ذكر اسمه يقول إن المرقد وما حوله من البيوت جميعها ملك لليهود وهم من كانوا يقودون المنطقة بأكملها، وكان يعمل لديهم كسدنة وخدام للمرقد مسلمون من عشيرة عبادة، وشاركوهم حتى في التجارة، وعندما هاجر اليهود المدينة في خمسينيات القرن الماضي تركوا المرقد وبيوتهم وأملاكهم لعشيرة عبادة كمتوكلين عليها وكسدنة للمرقد، ولكنها الآن تحولت إلى بيوت حواسم، ولكنها بقيت بأسماء أصحابها اليهود لكونها لا تسجل في دائرة التسجيل العقاري، مضيفا أن المنطقة التي يتوسطها المرقد تسمى (السلوك)، وجميع البيوت التي حوله بنيت على طريقة الشناشيل، لكنها اندثرت الآن تماما ، مؤكدا أن المرقد تحول الآن إلى الوقف الشيعي ويدار من قبله، وجميع موظفي المرقد والبالغ عددهم 17 موظفا جميعهم من المسلمين الشيعة كما أكد الموظف، مبينا بان عدد الزائرين يزداد يومي الخميس والجمعة، وكذلك بالمناسبات الدينية الشيعية، موضحا بأنه في أيام عاشوراء تعقد داخله المجالس الحسينية، ويتم فيه أيضا توزيع الثواب والنذور، وهناك موكب عزاء حسيني باسم النبي (ع)، والزائرون من محافظات البصرة والناصرية يصلون الى المئات يوميا، والآن هي قليلة الحركة لكون اغلب المواطنين ذهبوا سيرا على الأقدام لتأدية مراسيم الزيارة الأربعينية للإمام الحسين(ع)، موضحا بأن المرقد يديره الآن شيخ يشير الصياح.

قاعة للنساء والرجال

خرجنا مع الموظف من المرقد باتجاه المدرسة التي تقع بجانب المرقد وهي مبنى كبير، بابه وشبابيكه تشير إلى العمارة اليهودية، ويسمى بالتوراة كما يقول الموظف، ويستخدم مدرسة ومكاناً لممارسة طقوسهم، حيث انه يتألف من طابقين؛ الطابق السفلي للرجال والعلوي للنساء، وهناك سرداب تحت الأرض أيضا يعود لليهود، ردم أيام النظام السابق، وهناك مكتبة داخل القاعة مساحتها بعرض القاعة، ومحفورة بشكل جميل داخل حائط القاعة وفي منتصف الجدار، تعلوها كتابات باللغة العبرية بعضها متآكل والبعض الآخر ما زالت تدب فيه روح البقاء.

المصيبة أن تلك القاعة تحولت إلى مخزن للأتربة ومواد البناء للترميم الحاصل في المرقد، حيث تمت إزالة السوق اليهودي المسكوف وإضافة مساحته للمرقد لوجود عملية توسيع للمرقد بأمر من محافظ ميسان، والجناح العلوي الخاص بالنساء اليهوديات لم أر منه شيئا لأنه موشح بصور لأهل البيت عليهم السلام، والمكتبة تملأها الأتربة بدلا من كتبها التي تعرضت للنهب والسلب كما يقول الموظف، ويؤكد ان العديد من الآثار المهمة اندثرت وأرشيف المرقد فقِد بالكامل أثناء الحرب العراقية  - الإيرانية، وحتى السلّم المؤدي إلى قاعة النساء اندثر تماما، فضلا عن الخشب المغلف بالجلد الطبيعي المنقوش فانه سرق أيضا لان المنطقة تركت منذ عام 1988، حتى عام 1993، ويذكر الموظف بألم اقتراح احد المسؤولين الحاليين الذي طالب إزالة المرقد بالكامل وإعادة البناء من جديد، متناسيا أن الطراز المعماري لا يمكن إعادته على حلته القديمة كما يرى الموظف.

وأجمل ما في المرقد موقعه على الضفة اليمنى لنهر دجلة في منتصف الطريق تقريبا بين القرنة وقلعة صالح في ميسان، وعلى الرغم من أن بعض المؤرخين اليهود يؤكدون أن قبر النبي عزرا في القدس إلا أن اليهود الذين كانوا في العراق لا يشكون في صحة القبر، وهم يستندون في ذلك إلى أن التلمود يذكر أن الموت داهم عزرا في بلدة (زمزوم) على دجلة وهو في طريقه إلى (سوسه).وصف القبر بعين إنكليزية

وقد وصف المرقد المستر ريج الذي كان قنصلا إنكليزيا في بغداد سنة 1808 م، بداية القرن التاسع عشر وصفا دقيقا، حيث قال "هو بناء يشبه جامعا يقوم على لسان بارز من النهر، وقد أنشئ هذا اللسان من دورة تدورها دجلة هناك، حيث تلتوي كل الالتواء، وقد التف حول المكان عدد من الأعراب يسكنون قريةً، بيوتها من القصب، ويقوم القبر في منتصف الغرفة، وهو مستطيل الشكل، منحرف السطح، معمول من الخشب، ومسجى بمخمل أخضر طوله 8 قدم، وارتفاعه 6 أقدام، وعرضه 4 أقدام، وبينه وبين كل طرف من أطراف الغرفة 3 أقدام، وكانت زواياه وأعلاه مزدانة بكوة كبيرة من النحاس الأصفر (محمد حرز الدين/ مراقد المعارف/ ج 2/ ص17 ـ 70) وكتب عليها "السلام عليك يا نبيَّ الله يومَ وِلِدت ويومَ تَموتُ ويومَ تُبعثُ حياً"، ويسمى بالعربية العزير، وبالعبرية عزرا وترجمتها عون، وبالكلدانية ابدنجو وهو احد أنبياء اليهود.

"هذا مو إنصاف منكم"

ويؤكد الموظف أن العديد من الوفود الأجنبية يأتون دائما لزيارة المرقد، بعد اخذ الموافقات من دائرة المزارات الشيعية، مضيفا أن الطائرات الأميركية أثناء غزو العراق كانت تأتي وتدور حول المرقد وكأنها تلقي التحية، ويعتقد جازما بأن الناحية لم تقصف لوجود العزير فيها خشية من الأجانب من تأثر المرقد أثناء القصف، على الرغم من كون صدام اخفى العديد من الصواريخ في السوق المسكوف الذي كان بجوار المرقد ومع ذلم لم تقصف كما يقول الموظف الذي ودعّناه وودعّنا النبي العزير ولسان حاله كما أظن يقول "هذا مو إنصاف منكم  لا ولا منكم أصول... الناس لو طلبت نسبنه شرد أجاوبهم شكول".

وإلى حكاية أخرى من حكايات هذا وطني

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. yusra alrubaiye

    تحقيق رائع موضوع لم يطرق سابقا نلاحظ فية الحرص على تراث هذا البلد دمت اسياذ يوسف ودام قلمك البار ع في تصوير مالم يكتب عنة احد سلمت يداكاا ا

  2. وليد خالد عبد القادر

    تحقيق موسع نشكر الجهود الكبيرة في كتابته واعداده لكن مالفت انتباهي هو الاشارة الى تحويل المرقد الى مزار شيعي !! وهذا يثقف لعقدة مهمة يعاني منها المجتمع العراقي لدرجة تصل الى الحالة المرضية الا وهي داء تعميم الخصوصية الذاتية على حساب القيم التعددية لوطن من

  3. يوسف

    اي كملت فرقة كافرة وفرقة ضالة ومضلة يتراهمون وهم اكو شبة كبير بينهم جزاك الله على قد نيتك أن شاء الله

  4. مناف الحسيني

    لا اعرف ما علاقة الوقف الشيعي بمزار للديانه اليهوديه -ولماذا بالتحديد الوقف الشيعي لاغيره--اما شبع الوقف الشيعي من كثرة القبور التي يرعاها --هل يجوز اضافة شعائر دينيه خاصه بطائفة الشيعه لكي تمارس بمرقد يهودي --ان هذا العمل يثير اكثر من علامه استفاهم ويث

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في دراجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram