اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > أيـــار.. أقـسـى الـشـهـور

أيـــار.. أقـسـى الـشـهـور

نشر في: 7 مايو, 2011: 05:44 م

علي عبد الأمير عجام*إلى أخي النبيل..أخي القتيل مرة أخرىهذه هي السنة السابعة لعراق بدونك، لحياة بدونك، لفوضى ما انفكت تضطرب وتصطخب بعدك، ولأمل شحّ كثيرا بعد ان سفك دمك. انه أيار أقسى الشهور، شهر موتك، وموسم اغتيالك، الذي كان لقتلتك موسما لإعلان اغتيال الفكرة المشعة التي لطالما كانت عليها بلادك، بلادنا التي أحببت وأخلصت حد الوفاء. ومثلما كنت ترد على قبح العيش بجميل روحك وخضرتها، ظلت بلادنا ترد على الموغلين في تجريحها قادرة على الخضرة وابتكار الياسمين.
أستعيد هنا يا أخي ونبراسي ومعلمي ما كتبته لك في أيار العام 2001 وفي لحظة غريبة على الأقل في المكان الذي شهد الكتابة،  وبدأت رسالتي هكذا: لا أدري ما الذي دفعني إلى أن أكتب شيئا لك وأنا على إرتفاع 33 ألف قدم في طريق عودتي من لندن إلى عمّان؟ أقلت لا أدري؟ لا ..إنني أعلمه جيدا، الدافع القوي والمؤثر، إنها لحظة صافية شديدة الوضوح، لحظة المكاشفة، لحظة مواجهة الذات بعد هذا المشوار الطويل الطويل من الألم.تكاد تكسر ظهري، حاجتي إلى اللقاء بك... أعياني يا أخي ان أكون متعبا، وحيدا، تكتظ روحي بالعناءات مثلما تكتظ بالقدرة على فعل الخير والطرق بنعومة على أرواح  الآخرين، وإن كانت تلك واحدة من أكثر المهمات إثارة للجلبة والالتباس، لاسيما حين يقابل فعل الخير بالجحود، كأنني في ذلك أعيد توليد الجراح ذاتها التي ثقلت بها روحك: الجحود وما أوفره كحصيلة ممن علمتهم الرقة والأمانة والإخلاص والوفاء.تراني الآن أعود إلى نبش الذكريات والوقوف عند موروثنا البيتي، أقصد ما ورثناه عن أبينا من طيبة متناهية، وثقة زائدة بالآخرين، وشفافية في الكشف عن النفس، وما ورثناه عن أمنا من بصيرة متوقدة، وحب للمعرفة وشخصية حاضرة وقدرة على المحبة لا تنتهي. الآن أكتب إليك في الطائرة، وأطل من النافذة على جبال الألب: عظمة الخالق بين علّو هش وأرض صلبة وبينهما تنهض عبقرية الإنسان وهو يبتكر وسائل التحدي ولكن في الوقت ذاته يذهب إلى إحكام وسائل العزلة كلما توقع انه اكتشف وسيلة إليكترونية لتجاوز المسافات، فباتت اللمسة الإنسانية غائبة، تحكم فطرتها وعفويتها ودهشتها، حواجز تحيل البشر إلى لاعبين مع الأزرار، كما هي الحال حين يبعث ولدي رسالة اليكترونية لي وأنا على مبعدة أمتار منه!أنا على ارتفاع شاهق ولكن روحي تنخفض بحدة الآن لتصل إلى خضاب الأرض التي تربيت بين مساربها وتكويناتها، أرض بعيدة حقا ولكنها الأقرب من كل شيء، أرض بسيطة التكوين والمعالم، ولكن روحا في إنسانها تكاد تزلزل تلك البساطة. أنا أتحدث هنا عن تلك الروح وعساني وفقت في أن أكون ابناً باراً لها ومتمثلا شهقاتها وهي تضيء في نفوس  مختارة، بينها كانت نفس مهذبة وحلوة وصبور وكريمة وعادلة وخيّرة ومحبة للجمال ومدافعة عن الحق، هي التي شهقت عند أخي وصديقي ومعلّمي.لست يائسا، لكن قيمنا تتبدد. نعم انك متفائل أبدي، ومن هنا أقول، ان تلك القيم قد تأخذ أطوارا غير التي عرفنا وخبرنا، ففكرة الحق والعدل والخير، فكرة جاذبة وتكاد تكون الفكرة المولدة للتاريخ الإنساني، لكن حرارة الفكرة لجهة علاقتها بالحضور الإنساني تكاد تخبو.ضمن هذا الاسترسال في البوح- الألم، في اللقاء الافتراضي- الحقيقي معك، وإن كان على إرتفاع 33 ألف قدم، ثمة نوع من المشاعر أطّل فجأة، نوع مشاغب وجميل: أن اكتب شوقاً ووجداً وأملا...تعبت يا أخي وأريد حقا ثنية تؤويني، ثنية لن أجدها ما حييت الا من ثنايا روحك الشاهقة.كانت تلك سطوري إليك في أيار عام 2001، وتوهمت ان ما بحثت عنه من ثنية تخفف عني هجير غربتي، قد بدا في المنال حين احتضنتك في حديقة دارك بعد عودتي في نيسان عام 2003، لكن قتلة من كهوف الكراهية خرجوا بعد نحو عام وفي 17 أيار ليروّعوا ثنايا الورد والمعرفة ببارودهم. الآن أنا يا أخي ونبراسي يتيم الثنايا الحانية، الآن أنا في هجير موتك القاسي.. لكن الأقسى هو: كيف أكون جديرا بك؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram